Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الأمن القومى فى مصر الفرعونية ورافد الاستخبارات فيه
المؤلف
نعمان، جلال أحمد على
الموضوع
الحضارة المصرية الحضارة الفرعونية مصر القديمة الأمن القومى
تاريخ النشر
2005
عدد الصفحات
419 ص.
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 472

from 472

المستخلص

ملخص:
مقـدمـة
تهيأت لمصر ظروفا وعوامل رسمت لها كيان حضارى متفرد منذ القدم وذلك بفضل موقعها المتميز ، وضخامة نيلها ، وخصوبة أرضها ، واستقرار نظم الحكم فيها ، ووفرة أعداد سكانها مع جلدهم وسماحة طبعهم ووحدة لغتهم وندرة الفوارق الجنسية بينهم وسهولة الاتصال بين جماعاتهم سهولة نسبية مع ، وقدم إدراكهم لوحدة وطنهم الطبيعية ، ثم توفر الكثير من المواد الأولية فى أرضهم ، مع حصانة حدودهم حصانة طبيعية نسبيه على الرغم من اتساعها وامتدادها .
ولا يعنى تعدد كل هذه المميزات إنها حققت المثالية بحكم الضرورة عند تناولها من منظور الأمن القومى ، ولكن المقصد هو التقديم بها على إنها كانت من العوامل المساعدة فى إبراز الجوانب الطيبة فى الطرح ، ورغم ذلك فلا يعنى هذا عدم وجود عوامل اخرى مضادة من داخل مصر أومن خارجها فعلى الرغم من دخول مصر ضمن النطاق الصحراوى العظيم الذى يضم اغلب بقاع الشرق الأدنى والأوسط فأن جريان نهر النيل فى أرضها قد خفف من نتائج الجفاف المناخى الى حد كبير واستطاع هذا النهر العظيم ان يطبع أهل مصر بطابع خاص ، وان يوجه معايشهم وجهه زراعية مترابطة مستقرة منذ أنس أجدادهم إلى ضفافه فى فجر تاريخهم العتيق ومنذ اصبح المصريون يستغلونه ويقدرون جوانب نفعه اكثر مما يتهيبون مظاهر جبروته وطغيان فيضاناته ومخاطر أحراشه ، فلقد أدت خاصية الامتداد الرأسى الطويل لنهر النيل من الجنوب إلى الشمال ، مع ندرة فروعة الطبيعية الجانبية ، إلى توزيع مواطن العمران القديم على جانبيه الطويلين توزيعا راسيا اكثر منه أفقيا ، وقد أدت هذه الخاصية أيضا إلى ما هو أهم ، فقد سمحت بتيسير الاتصالات المكانية وتسيير وسائل النقل المائية بين الجماعات على ضفافه ، وقد ترتب على ذلك أن أدراك الحكام والمفكرون المصريون مدى الترابط الطبيعى بين أجزاء أرضهم ومدى اتصال مصالحها ومدى مقومات قوميتها و أفضى هذا التفكير مع غيره من مجريات الحوادث القديمة إلى التبكير بإقامة أول وحدة سياسية كبيرة مستقرة معروفة فى تاريخ البشرية كلها لها مساندها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحربية .
وعلى نحو ما كان النيل أبا حانيا للمصريين القدماء ولازال ، فقد ظلت صحراواتهم الجافة الموحشة أما حامية لكيانهم من حيث لم يحتسبوا ، فقد أدى أتساع فيافيها الداخلية الخطرة إلى التقليل من استخدامها سبيلا للغزوات الخارجية التى كان يمكن أن تهدد آمن واستقرار وادى النيل الأخضر ، وبذلك تحقق للمصريين نصيب كبير من الأمن . ويضاف إلى ذلك بعدا آخر من أبعاد الأمن القومى يتمثل فيما كفلته لهم الصحراء ومرتفعاتها ، على الرغم من وحشتها ، بعض من مقومات مدنيتهم المادية نتيجة لوفرة معادنها وكثرة أحجارها وتعدد أنواعها الأمر الذى ساعد على قيام صناعات وحرف كان لها مردودها الاقتصادى .
غير أن أمور النيل والصحروات لم تكن هينة دائما فى أوائل عصور التحضر المصرى القديم و إنما تخللتها مصاعب وظواهر ظلت تتطلب من أهلها كثير من الجهد المنتج والمفضل ففيضانات النهر مثلا ظلت برغم جودها وانتظام مواسمها تستدعى من المصريين اليقظة الجماعية لمواجهتها وتستدعى منهم التعاون لتقليل أخطارها وتستدعى منهم بذل الجهد وتطوير المهارة لتسهيل الانتفاع بهذه المياه وتوصيلها إلى الأرض المرتفعة ، وقد استمرت إلى جانب ذلك ، بعض ضفاف النيل وفروعه القليلة بيئة طبيعية للأحراج النباتية والمستنقعات طوال فجر التاريخ وخلال فترات مديدة من العصور التاريخية ذاتها تحتاج إلى تكاتف بشرى فى سبيل إصلاحها واستغلالها ، وأدت جهود المصريين فى الحالتين إلى تذكية إحساسهم المتصل بضرورة الانصياع لحكم مركزى مستقر يشرف على الجهد وينسقه وينظم الانتفاع به ، وقد حمل هذا فى طياته متطلبات الأمن بمستوياته وأركانه ،كما احتمل مطالب التطوير حتى وصل به إلى حتمية قيام سلطة عليا مركزية ... سلطة للدولة .
وبالنظر للصحروات المصرية الواسعة فقد اشتركت مع غيرها من صحروات الشرق الادنى فى مظاهر فقرها الطبيعى ، فهى كثيرا ما دفعت بدوها المحليين الى تعكير صفو الأمن فى مناطق الحواف الزراعية وطرق التجارة البرية ، وظلت لذلك تستدعى اليقظة الدائمة من الحكومات القائمة لـدرء خطرها وكسر شرتهم و إلزامهم حدود الطاعة قدر المستطاع .
وعلى الرغم من ذلك فلم يكن لما لقيه المصريون القدماء من متاعب بيئتهم الصحراوية من تأثير معاكس على وجدانهم على الرغم من جفافها وقلة أمطارها فهى إذا ما قورنت بكثير غيرها فهى بيئة مأمونة العواقب هينة الحدة قليلة التقلب ليس فيها من صراع الظواهر الطبيعية أو مظاهر الرهبة والصخب العنيف ما يوجه أهل مصر إلى صخب عنيف مثله أو يطبعهم معه بطابع العنف والتمرد والقلق وتغلب الأهواء والمشاعر والعادات ، ولهذا لم يكن من الغريب أن يترتب على ما آلفه المصريون القدماء من غلبة الخير على الشر فى أحوال نيلهم وواديهم وصحراواتهم ومناخهم عظيم الأثر فى طبع حضارتهم الطويلة بصفة غالبة من مظاهر الأمن والاستقرار وطبع حياتهم السياسية بطابع الطمأنينة والاستمرار ، ثم الإيحاء بينهم بنوع من الشعور بالكفاية المادية والفكرية .
ولم يكن اطمئنان المصريين إلى أوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحربية بغير اثر ملموس فى نشأة مفاهيم للأمن لديهم وتطورها عبر العصور ، ومصر ، وسط جيرانها فى عالم الشرق الأدنى القديم ، قد اشتهرت بأنها حاضرة العالم القديم ومقصده ، يقصدها من يريد الملاذ الآمن والتجارة الرابحة والسلعة الرائجة وعز من قائل” ادخلوا مصر أنشأ لله آمنين ”
ولم تنفصل مصر بأوضاعها الداخلية عن مجريات الحوادث الخارجية فقد كانت قلب العالم القديم بحكم المكان وبحكم المكانة ، الأمر الذى شكل فكرا استراتيجيا مبكر مؤداها أن الأمن الداخلى كل لا ينفصل عن الأمن الخارجى المحيط وأن الأمن الداخلى هو الدرع الواقى للمخاطر الخارجية المتربصة حينا والمتأهبة حينا آخر فقد شهد الشرق القديم مواطن عديدة للعمران حيث انتشرت هذه المواطن خلال العصور التاريخية الزاهرة من حدود الأناضول شمالا حتى سواحل المحيط الهندى جنوبا ، ومن شمال أفريقيا غربا حتى الخليج العربى شرقا وربطت بين مواطن العمران هذه عدة روابط طبيعية وحيوية لا تزال لها أثارها المحسوسة حتى الآن ، فظلت العوامل المناخية التى سادت عصوره التاريخية متشابهة المظاهر ومتشابهة النتائج والتأثير فى حياة سكانه إلى حد واضح وكانت ولا تزال تميل إلى الجفاف فى معظم أحوالها فيما عدا مناطق قليلة اتصفت بمناخها الخاص على سواحل البحر المتوسط والى حد ما على سواحل البحر الأحمر والمحيط الهندى . وظلت معابر الشرق البرية ومخارجه الطبيعية التى استخدمتها شعوب الشرق فى تنقلاتها واتصالاتها القديمة مفتوحة مطروقة فى أغلب الأحيان ، إلا حيثما تطلبت المصالح الإقليمية زيادة تحصيناتها وتشديد الرقابة عليها فى فترات الغزوات الخارجية والهجرات التى تهدد الأمن وتخل بميزانه . وفى ظل ظروف كانت هذه طبيعتها ، فقد فرضت على مصر حالة من الدئب الأمنى واليقظة فى مواجهة تلك الشعوب التى كانت تفر من أواسط أسيا ومرتفعاتها ومن جزر البحر المتوسط ، ولكنها كانت تعد فى أغلب أحوالها متقطعة متباعدة مما أعطى ذلك الفرصة لمصر لأن تصبغ هذه الجماعات الوافدة بصبغتها وإذابتها تدريجيا فى كيانها.
ومن البديهى أن يترتب على أتساع رقعة الشرق الأدنى القديم واختلاف المواقع الجغرافية لأطرافه وتباين التكوينات التضاريسية لأجزائه بعض التنوع الإقليمي فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لشعوبه ومجتمعاته ، ومما لا شك فيه أن التنوع البيئى والمعيشى والسياسى والوجدانى لأجزاء الشرق الأدنى القديم كان مسئولا إلى حد كبير عن مظاهر التنافس السياسى والصدام الحربى بين شعوب ودول الشرق من حين لآخر وكان هذا الداعى الأكبر لليقظة.
إن طرح موضوع الأمن القومى فى مصر الفرعونية ورافد الاستخبارات فيه يستلزم عدة أمور تجدر مراعاتها عند إخضاعه لمنهج البحث من أهمها أن المدى الزمنى الذى يدور البحث فى إطاره ينقسم إلى شقين : بعضه يمتد قبل بدء العصور التاريخية المصرية وبعضه الآخر يقع مع بدء العصر التاريخى بقيام الأسرة الأولى سنة 3200 ق. م تقريبا ويمتد حتى نهاية الأسرة الثلاثين فى خواتيم القرن الرابع قبل الميلاد . وبما أن البحث يتناول نشأة مفهوم الأمن بمستوياته وأركانه المختلفة كان لابد من البدء برصد أصل الظاهرة وإن كانت فى عصور لم تترك لنا سوى بقايا أثرية قد تفسرها مدلولات عصرها أو تفسرها سجلات عصور تالية مادتها أغزر وقرائنها أوفر وعلى هذا فقد أجريت البحث فى ستة فصول أختص كل فصل فيها بفترة زمنية تجلى فيها مفهوم الأمن أو سلطة تنظيمية تقوم على توفير الأمن بما يناسب زمنه . وقد راعيت فى هذا رصد الثابت والمتغير من المظاهر الأمنية حتى يمكن بقدر المستطاع رصد ما استقر منها فى الفكر والممارسة فى العصور المختلفة وقد تناول الفصل الأول الأمن من هذا المنظور وكان تحت عنوان ” الأمن : ظهيره ومظاهره ”.
أما الفصل الثانى فقد تناول أطوار التكوين الأمنى ، ومن منظور أولى فى النهاية إلى حتمية قيام سلطة الدولة وبما أن هذه الدولة قد قامت فى تدرج طبيعى منذ عصر القرية السحيق ثم المدينة والإقليم ، وما يمكن أن يصاحب ذلك من توالد فكر أمنى يضم كل هذه التنظيمات الاجتماعية ويوجهها سياسيا الأمر الذى يقضى فى النهاية إلى الوصول إلى نظرية الأمن القومى وحتمية التطبيق لمصلحة المجموع .
وفى الفصل الثالث ،تعرضت بالبحث والتحليل إلى مملكة الصعيد أو مملكة الجنوب المصرية ، وتناولت خريطتها الطبيعية ومدى توافر الشروط الأمنية الطبيعية فيها مما أهلها لأن تصبح دولة لأول مرة فى وادى النيل المصرى ، وكيف كانت هذه المؤهلات الطبيعية هى المهندس الذى أستولد فكرة الدولة ، قبل الدلتا التى لم تساعدها ظروفها الطبيعية فى خلق المناخ السياسى الأمن لقيام دولة على نفس الدرجة وبنفس الفرصة التى أتيحت للصعيد .
وقد سلكت هذه الفصول الثلاثة الأولى فى باب أول و بعنوان ”النشأة والتقعيد”
اما الباب الثانى ، وهو بعنوان : ”الأمن القومى بين دورات النهضة ونوبات الغفوة ”، فقد اشتمل على ثلاثة فصول(الرابع ،و الخامس ،و السادس ) وقد تتابع البحث على وتيرة التتابع الزمنى للعصور وتطور الأمن فيها ، ففى الفصل الرابع ، وهو بعنوان : ”الاستغراق الداخلى ” ، عالجت الأسباب المنطقية التى حدت بالمصريين أن يهتموا بأمورهم الداخلية اكثر من الاهتمام بالمحيط الخارجى ، ذلك أنه لم يكن هناك ما يعكر صفو الآمن ، أكثر من غارات البدو والرعاه على المناطق الفاصلة ما بين الأخضر واليابس أو الطين والرمل ، وهذا لم يكن يستدع منهم اكثر من القيام بحملات تأديبية أو توجيه ضربات وقائية .
فى الفصل الخامس ، وهو الفصل الذى تعرض للظروف التى استدعت من المصريين أن يتحولوا بفكرهم الإستراتيجي إلى طور جديد فى حياتهم بعد محنه الهكسوس حتى اصبحوا على بينه بان لا أمان لهم فى ظل المتغيرات التى أخذت تتسارع مظاهرها وتنذر بالأخطار المحدقة بهم والتى يمكن أن نفاجئهم بمثل ما حدث لهم من جراء غزوة الهكسوس ، فراو فى التوسع منطقا أمنيا يجنبهم مخاطر التعرض لغزوات أو هجرات من مناطق الطرد البشرى بأواسط أسيا . وفى ظل هذا المفهوم وهذه الرؤية ، بلغ الأمن القومى المصرى على عصر الدولة الحديثة أعلى مراتبة و أحرز اعظم إنجازاته على كافة الأصعدة سواء منها العسكرى وما يكتنفه من نشاط استخبارى مكثف ، أو على الصعيدين السياسى والاقتصادى .
وقد تعرض البحث فى فصلة السادس ، وهو الفصل الختامى ، لمظاهر من التدهور السياسى والامنى ، لم تشهدها مصر منذ عصر الهكسوس ، وكان لهذه المظاهر مسبباتها الداخلية الغير مسبوقة : أسباب تتضافر فى إحداثها اكثر من عامل كان بعضها الخارجى و أكثرها خطرا كان داخلى ، وظلت فى تدرج تدهـورى بحيث أودت فى النهاية بنظام حكم استمر قويا اكثر من الفى عام ، وقد وضعت هذا المبحث الأخير ، تحت عنوان ” العصر المتأخر... التفريط وعواقبه ” وقد كان هذا المبحث ختما للعصور القديمة وخاتمه للبحث .