Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الألوهية بين المتكلمين و الصوفية /
المؤلف
عباس، نورا معوض.
الموضوع
الفلسفة الإسلامية. التصوف الإسلامي.
تاريخ النشر
2008.
عدد الصفحات
332 ص. ؛
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 340

from 340

المستخلص

نحمد الله تعالى حمداً كثيراً مباركاً فيه، على عونه وتوفيقه لإتمام هذا البحث، وأوجز
فيما يلي أهم النتائج التي توصلت إليها في النقاط التالية:
بالنسبة إلى مسألة الألوهية بين المتكلمين والصوفية تناولنا فيها جميع جوانبها من خلال الاتفاق والاختلاف. ففي مسألة وجود الله نجد المتكلمين قد اختلفوا عن الصوفية
لأن المتكلمين اتجهوا اتجاهاً كلامياً، عقلياً، بينما الصوفية اتجهوا اتجاهاً ذوقياً، قلبياً،
وجدانياً عملياً وليس عندهم كما هو عند المتكلمين الإثبات بالأدلة والبراهين، لأن
العقل عندهم لا يؤدي إلى المعرفة بالله، لكن عندهم ما يعرف بالوصول إلى الله قلبيا،
بالتجرد من العوارض الشهوانية، فالدليل على الله عند الصوفية هو الله وحده، لأن
طريق العقل عند الصوفية طريقا عاجزا، لأنه في حاجة إلى دليل، إذ أنه محدث،
والمحدث لا يدل إلا على محدث مثله، أي أننا بالعقل لا نستطيع الوصول إلى القديم،
وهو الله تعالى، ويعتبرون أن إثبات وجوده بالأدلة والبراهين يعد انتقاصاً من جلاله
سبحانه وتعالى، لأنه هو عين الأدلة والبراهين، بذلك نصل إلى أن مسألة وجود الله
اختلفوا فيها سواء (متكلمين أو صوفية) باختلاف المناهج والاتجاهات فالمتكلمين
اعتمدوا على العقل، والصوفية اعتمدوا على الوجدان والذوق والقلب.
بالنسبة لمسألة التوحيد بين المتكلمين والصوفية نستنتج أن المتكلمين قد اعتمدوا على برهان التمانع الذي استنبطوه من قوله تعالى: ”لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا” صدق الله العظيم. وقد اختلف معهم الصوفية لأن التوحيد عندهم من الأمور التي لا ويقر
العقل على إدراكها، ويعد سراً من الأسرار التي يكشف الله معانيها لمن يشاء من
عباده، ويجلبها لهم في بعض أحوالهم، لذلك فالتوحيد عنهم هو التحقق للوصول إلى
مقام القرب من الله، ولكن الصوفي الذي حظى بهذه المنزلة، قد يتشبث بعقيدته
وشريعته إذا أراد ويرى فيهما بعض مظاهر الحقيقة. لذلك نستنتج أن التوحيد عند
المتكلمين يختلف عن الصوفية، لأنه عند المتكلمين قائم على براهين والأدلة العقلية.
أما التوحيد عند الصوفية فمن خلال الوصول إلى الله والقرب منه يهبها الله لعباده من
أجل الفناء في حبه.
من خلال عرضنا لمسألة الذات والصفات والكلام والرؤية عند المتكلمين والصوفية وجدنا أن المتكلمين جميعاً اتفقوا على مسألة الصفات السلبية كالقدم، والبقاء،
والوحدانية، ومخالفته تعالى للحوادث، وأما بالنسبة إلى المعتزلة فإنهم نفوا عن البارئ الصفات الثبوتية، ولم يثبتوا له إلا الصفات السلبية كالقدم، والوحدانية ومخالفته للحوادث ونفوا الصفات بغرض التنزيه وابتعدوا كثيرا عن النصوص الشرعية، وتأثروا بالجهمية في نفي الصفات، ونفوا الجهة ولم يتمكنوا من إثبات الرؤية دونها
لأنهم ظنوا في إثبات الجهة، واتفقوا مع الأشاعرة في نفي الجهة.
أما المشبهة فقد أثبتوها حرصا على عدم الوقوع في التعطيل، بينما يتفق الصوفية مع
الأشاعرة في أن الله إله واحد، قديم، عليم، قادر، حي، سميع، بصير، والإنسان لا يملك شيئا من نفسه.
بالنسبة للأشاعرة نجد من خلال ما سبق أنهم توسطوا بين الطرق لأنهم أثبتوا لله
تعالى صفات بلا تشبيه، ونزهوه سبحانه عما لا يليق بلا تعطيل، وبذلك خالفوا المشبهة الذين
ألغوا عقولهم بدرجة التمسك بالظاهر، فأضافوا لله ما لا يرتضي عاقل من الصفات التي تدل
على أنه له تعالى جهة، ومكانا، وأجزاء كما خالفوا المعتزلة، الذين أسرفوا في الاعتماد على
عقولهم، وحكَّموها في النصوص الدينية، وأولوا منها كل ما لا يتفق مع عقولهم حتى وقعوا
في التعطيل، بذلك نستنج أن الأشاعرة والماتريدية قد توسطوا بين الأمور، فإنهم لا يبتعدون
عن النقل كما فعل المعتزلة، وقد وافق الأشاعرة السلف في إثبات الصفات، إلا أنهم
اختصروها، وردوها إلى سبع صفات أزلية فقط هي العلم والحياة والإرادة والسمع والبصر
والكلام وصفات فعلية كالخلق، والرزق.
وأما بالنسبة للصوفية المتفلسفين، فقد اتفقوا مع السنيين في التنزيه والتشبيه، تقوم هذه الفكرة عندهم على إقامة علاقة شخصية بين العبد والرب وهم بذلك لم يرفعوا الإنسان إلى
مستوى الألوهية، ولا ينزلون الله إلى مستوى العبودية، وأجمعوا على أن لله صفات على
الحقيقة هو بها موصوف: من العلم، والقدرة، والحلم، والحكمة، والجبروت، والحياة، والإرادة،
وأنه له سمعا، وبصرا، ووجها، وأيدي، وهي على الحقيقة، ليست كالأسماع، والأبصار،
والأيدي، والوجوه، وأجمعوا على أنها صفات لله ليست بجوارح، ولا أعضاء، ولا أجزاء،
وليس معناها هي هو ولا غير، وليس معنى إثباتها أنه محتاج إليها.
وأما بالنسبة للمجيء والنزول والإثبات فقد قال فريق منهم أنه لا يمكن إلا التعبير
عنها بالتلاوة والرواية ويجب الإيمان بها ولا يجب البحث عنها.أما الصوفية السنيون فقد التزموا بالموقف الأشعري في إثبات الصفات الثبوتية السبع
من الحياة، والعلم، والقدر، والسمع، والبصر، والكلام) وغيرها وهذه الصفات لا تشبه صفات
الإنسان، ولا تشترك معه إلا بالاسم فقط، والاختلاف بين السنيين والمتفلسفين أنهم يقررون أن
صفات الإنسان تشبه صفات الله فقط، وليس بالدرجة والرتبة عند السنيين، إنما عند
المتفلسفين، فهي بالرتبة والدرجة، ولم ينل هذه الصفات إلا العارفين بالله وبهذه العلاقة تنتهي
الصفات والأسماء والعلاقات وأن الصوفية اعتمدوا على الذوق، والخيال، والحدس، أما
المتكلمين فقد اعتمدوا على النقل.
أما بالنسبة لمسألة كلام الله بين المتكلمين والصوفية، فنجد أن المتكلمين قد اختلفوا عن  
الصوفية في ذلك، فكلام الله عند الصوفية من الأساسيات التي تبني عليها الصوفية
تعاليمها، أي أن الإنسان إذا لبس ثوب التقوى فإنه يندرج فيها حتى ترفع عنه
الدناءات، ويستبدلها بالتحلي بصفات الله الحسنى، حتى يحيا بالله وفي الله ويستمد فعله
كله من الله.
أما بالنسبة للمتكلمين فقد ذهبت الأشاعرة إلى أن كلام البارئ كلام واحد، وهو مع
وحدته أمر ونهي، وخبر واستخبار، ووعد ووعيد، فهو عندهم منزه عن الحروف والأصوات
بل إنه كلام نفسي قائم بذاته. وأما بالنسبة للمعتزلة فإنهم يجدون أن القرآن له صفات لا
يتصف بها القديم، فالقرآن يتجزأ ويتبعض، فيقال ثلثه، ونصفه وربعه، وهو حروف منظومة
وأصوات مقطوعة وهو محكم، ومفصل، وقد اختلف المعتزلة مع الأشاعرة في هذه المسالة
حيث أن كلام الله واحد عند الأشاعرة، والمعتزلة وصفوا القرآن بأنه مخلوق وقالوا بقدمه.
انتقد الصوفية، العقيدة المسيحية في مسألة كلام الله حيث أن الصوفية يؤمنون بالوحدة
من خلال معرفة يمر بها العارف حتى يصل إلى الوحدة والنور، فهم يختلفون مع المعتزلة في أن القرآن مخلوق، حيث ذهبوا إلى أن القرآن غير مخلوق ولذلك كان قول الأشاعرة أقرب
إلى الصواب، لأنهم جمعوا بين العقل والنقل، ويرون أن كلام الله قائم بذاته فهو قديم، وبذلك
خالفوا المشبهة والمعتزلة.
بالنسبة لمسألة رؤية الله فقد اختلف المتكلمون والصوفية. فنجد عند المتكلمين ومنهم الأشاعرة أنهم يرون أن رؤية الله تجوز في الدنيا والآخرة، فعلى سبيل المثال أن
الغزالي يرى أن رؤية الله ليست مستحيلة، واستندوا إلى دليل جوهري، وهو وجود
الله، وقالوا إن الله موجود، إذن فرؤيته ليست مستحيلة، خلافاً للمعتزلة والباطنية
والخوارج، الذين يرون عدم جواز رؤية الله في الدنيا ولا في الآخرة، واستدل
المعتزلة على عدم إمكانية الرؤية على أنه تعالى لا يصح أن يرى، لأنه في ذاته لا
يرى. وعدم إمكان الرؤية لا يرجع على الرائي لموانع، بل لأنه سبحانه في ذاته لا
يرى، كما أن الرؤية لا تتم إلا إذا كان الشيء مادياً، ولما كان الله لا يمكن أن يكون
جسما، فإنه لا يمكن تحديده بالتالي لا يمكن رؤيته.
بينما الصوفية تختلف عن المتكلمين في الرؤية فهم يذهبون إلى أن رؤية الله ليست
مستحيلة؛ ولكنها لا يمكن أن يحصل عليها إلا العارفون بالله الذين يصلون إلى درجة
النور الرباني ويصبحون كيانا واحدا.
وبالنسبة لعلاقة الله بالإنسان نجد اختلاف المتكلمين عن الصوفية، فالمتكلمين كان تركزهم على الأفعال الإنسانية، والقدرة الإلهية، والقضاء القدر، وبينما الصوفية
اتجهوا اتجاها ذوقيا من أجل الوصول إلى الله، وأن الصوفية كان كل اهتمامهم يقوم
على طهارة النفس، وشعورهم بالغبطة، والسعادة من أجل الوصول إلى الله، وبذلك
فالتجربة الصوفية كلها إذن سلسلة من الحركات الوجدانية والإرادية، والصوفي أولا
وأخيرا ”مريد”.
إن علاقة الله بالعالم عند المتكلمين من الأشاعرة أقاموا نظريتهم في الخلق انطلاقا من مفهوم الخلق الإبداعي، فهم وضحوا أن الله تعالى هو القديم الواجب بذاته المنفرد
بسرمديته، لا يشاركه أحد في أزليته، أما العالم فهو كل موجود سوى الله تعالى وهو
ممكن حادث فالعالم هو أجسام مؤلفة من جواهر وأعراض ويتفق هذا القول مع
المعتزلة، ولكن الخلاف كان حول شيئية المعدوم، حيث ذهب المعتزلة إلى أن المعدوم
ثابت، وهم يتناصرون المعدوم الممكن. والسمة التي يتمم بها مذهب الأشاعرة
إخضاعهم العقل للدين، حيث أنهم فهموا الدين بالعقل ودافعوا عنه بالعقل إلى جانب
الدفاع عنه بالنقل، إلا أنهم في المسائل التي وجدوا أن العقل يتعارض فيها مع النقل، ضحوا بالعقل جانبا أو على الأقل لخضوعه لحكم النقل.
بينما يؤكد ابن عربي على محدودية العقل وعلى كونه قليلا، لا يصدر عن عدم دراية
بالفعل ومناهجه في الاستدلال والاستقراء، وبذلك يؤكد على عجز العقل عن حل مشكلة
العلاقة بين الله والعالم، وهو عاجز والعاجز لا يدل إلا على عاجز مثله.