الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص إن دراسة آثار ما قبل الأسرات في مصر تتطلب من أي باحث أن يستعيد العصور التي كانت فيها الصحراء تزخر بالحياة البشرية والنباتية و الحيوانية ، ولم يكن الإنسان قد انتقل إلى وادي النيل ليقطنه ، فقبل الألف السادس قبل الميلاد كان سكان مصر يقطنون الصحراء ، ويسعون إلى مصادر الرزق التي كانت عادة ما توجد بجوار برك وعيون المياه ، و كانت الموارد الوحيدة التي يعتمدون عليها في صنع آلاتهم وحاجاتهم هي الأحجار ، وكانوا يسعون دائما إلى تطويرها ؛ للاستفادة منها في القتال والصيد ، وقد أطلق العلماء على هذه الفترة بالعصور الحجرية القديمة ، وقسموها وفقا لتطور وتهذيب الأدوات الحجرية . ولم تكن المجتمعات التي عاش فيها المصريون الأوائل في هذه الفترات مجتمعات متكاملة ؛ نتيجة لعدم الاستقرار ، أما في بداية الألف السادس قبل الميلاد استقر المصريون القدماء على ضفتي النيل في الشمال والجنوب ، وبدأت رحلة المصري القديم الشاقة والمضنية مع البيئة من حوله ، كما ساهمت المقومات الحضارية المتوفرة على أرض مصر من : مياه النيل ، الأرض الخصبة ، المناخ المعتدل ، الشمس المشرقة ، و المجهودات البشرية في توفير وسائل الاستقرار و الانطلاق إلى بناء حضارة على ضفتي النيل . وبالرغم من وجود تلك المقومات الحضارية على ضفتي النيل ، التي مكنت المصري القديم فيما بعد من الاستقرار ، إلا أن ذلك لم يكن أمرا سهلا فقد كانت تحيط به العديد من الأخطار : كالصحراء بعواصفها المدمرة وحيواناتها المتوحشة ، ومستنقعات النيل الخطرة وتماسيحها المفترسة ، بالإضافة إلى أخطار السيول من الوادي والفيضانات من النهر . وعلى الرغم من كل هذه الأخطار إلا أن المصري القديم لم يستسلم ، بل بدأ يراقب كل شيء من حوله ، وبقدر الإمكان حاول تجنب هذه الأخطار ، وبدأ يجري التجارب للاستقرار في حدود الإمكانيات المتاحة له آنذاك ، ولم ينل في البداية أي شيء من النجاح ، فحاول الاستفادة من أخطائه السابقة ويجري المزيد من التجارب بشيء من التركيز ، فلما حصل على النجاح بدأ يتقن ما ينجزه وواصل الإتقان حتى وصل إلى مرحلة الابتكار . ويمكن القول أن حياة المصري القديم في البيئة القديمة خلال العصر الحجري الحديث والنحاسي – عصر الاستقرار من (6000-3000 ق . م ) – كانت عبارة عن تجربة، تركيز، إتقان ، ابتكار . فعلى سبيل المثال بعد أن كان يشيد مسكنه على حافة النهر ، ويهدده خطر الفيضانات ثم على سطح الوادي ، ويهدده خطر السيل . فبعد العديد من التجارب أهداه التفكير إلى تشيد مسكن على هضبة مرتفعة ؛ تجنبا لهذه الأخطار حتى لا تجرفه السيول القادمة من الوادي ولا تصل إليه الفيضانات القادمة من النهر . كما انتشرت المراكز الحضارية على ضفتي النيل بعد عرف سكانها أساليب الزراعة واستئناس الحيوان وفنون الغزل والنسيج وصناعة الفخار وبناء المساكن والمقابر ، وكونوا الأسرة ثم القبيلة ثم القرية ثم المدينة ثم المملكة ؛ حيث أصبح في مصر العديد من المراكز الحضارية شمالا وجنوبا. |