Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
أثر المستجدات العلمية الحديثة على أحكام النسب :
المؤلف
أحمد، تيسير عيسى الصيد.
هيئة الاعداد
باحث / تيسير عيسى الصيد أحمد
مشرف / محمد المرسي زهرة
مشرف / سعيد أبو الفتوح البسيوني
مناقش / محمد نبيل غنايم
مناقش / عاطف عبد الحميد حسن
الموضوع
القانون المدنى.
تاريخ النشر
2014.
عدد الصفحات
434ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
تاريخ الإجازة
1/1/2014
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - قسم القانون المدني
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 448

from 448

المستخلص

عنت الشريعة الغراء أشد العناية بقضايا النسب،واهتمت ببيان أحكام
ثبوته وكيفية نفيه،وأقامت قواعد وضوابط معينة تمنع الدخول فيه والخروج
منه بغير سبب شرعي، فأبطلت النظم الفاسدة والعادات الجاهلية التي لا تقوم
على أساس شرعي صحيح لإثبات النسب ونفيه.
على أن حرص الشريعة الشديد على إرساء ورعاية قواعد النسب، لا
يعني حجرها على الباحثين وانطلاقهم في آفاق العلم الرحبة بما يخدم مصالح
المسلمين ويراعي هذه القواعد، فديننا الإسلامي لا ينبذ الطرق الصناعية التي
تسهم في تحقيق رغبة الحصول على الولد ممن حرم منها،وكذلك يرحب بتلك
الأساليب التي تساعد في تحقيق النسب.
إلا أنه يرفض كل ما من شأنه إثارة الشبه والشكوك أو يسبب في اختلاط
الأنساب والأعراض، حفاظًا على استقرار الأسرة والمجتمع.
وقد تضمنت هذه الشريعة أحكامًا شاملة تحوي على حكم كل مسألة،إذ
يستنبط الفقهاء حكمها من خلال ما عرفوه من أدلة الشرع وقواعده .
غير أن بعض الحوادث الواقعة والمسائل النازلة في هذا العصر لم يكن
لها مثيل فيما مضى، ومن هذه النوازل ما يمس موضوع النسب، وهذا
يتطلب تسليط الضوء عليها وتخصيصها بالدراسة والبحث من خلال
الانطلاق من الأحكام والقواعد العامة المقررة.
والدراسة تحاول في طياتها توضيح أثر المستجدات العلمية على إنشاء
روابط النسب، وما هو أثرها في تحقيق النسب.
وتبرز أهمية الدراسة في احتياج بعض المسلمين للجوء للأساليب الطبية
للحصول على الولد، ومن المعلوم أن هذه الأساليب ليست من قبيل المعالجات
- ٤٢٠ -
الطبية العادية لما لها من علاقة بالنسب، فحتى يكون المسلم على بصيرة من
أمره قبل الإقدام على أي تصرف من شأنه المساس بمقاصد الشريعة في
حفظ الأنساب، كان لزامًا أن تمحص هذه الأساليب في ضوء أحكام الشريعة.
وقد تم تناول الموضوع أثر المستجدات العلمية الحديثة على أحكام النسب
من خلال تقسيم البحث إلى بابين مسبوقين بباب تمهيدي:
الباب التمهيدي: الأحكام العامة للنسب
تولت الدراسة في بابها التمهيدي بحث الأحكام العامة للنسب .
فقد جعلت الشريعة الإسلامية الزواج السبب المنشئ لرابطة النسب
باعتبار أنه الصورة الوحيدة المشروعة لالتقاء الرجل بالمرأة جنسيًا.
وعليه فإن عقد الزواج يعد الأصل في إنشاء رابطة النسب، وإن اختلفت
صوره فإنها تلتقي جميعًا تحت مظلة المشروعية.
إذا فالقاعدة أنه لا يثبت النسب إلا إذا كان المولود ثمرة زواج
صحيح،فالحديث الشريف”الولد للفراش وللعاهر الحجر” يمثل قاعدة أساسية
في مجال النسب.
على أن تشوف الشارع لإثبات النسب جعله يراعي بعض الأحوال
ويقرر ثبوته فيها حتى عندما لا يكون الزواج صحيحًا إقام ً ة منه لحياة هؤلاء
الأبناء.
وذلك في عقد الزواج الفاسد وفي الوطء بشبهة متى تحققت صورته.
وبالرغم من تنظيم الشارع لطريق الزواج إلا أنه قد يحصل أن يتصل
رجل بامرأة دون وجود عقد زواج صحيح، ولا غير صحيح ولا شبهة يمكن
الاستناد إليها.
- ٤٢١ -
ولا شك أن مثل هذا الاتصال دون وجود سبب شرعي يمثل كبيرة من
الكبائر التي حذر الشارع من الانزلاق فيها، حيث قال جلَ من قائل: ﴿ولا
َتقْ  ربوا ال  زَنى إنَّ  ه َ كا  ن َفا  ح َ ش ً ة و  سا  ء  سِبي ً لا﴾ ( ١)، وقد اتفق الفقهاء على
تحريمها ؛ بالنظر لما تشكله من خطورة وتهديد للأسرة والمجتمع بالفساد
وضياع الأنساب.
و قد توعد الشارع الحكيم مرتكب الزنا بالعذاب الأليم إذ قال: ﴿ال  زاني ُ ة
وال  زاني َفاجلدوا ُ كلَّ وا  حد  منْ  ه  ما  مائَ َ ة  جلْدة ولا َتأْ ُ خذْ ُ كم ِب ِ ه  ما  رأَْفةٌ في دي ِ ن اللَّ  ه
.( إن ُ كنُتم ُتؤْ  مُنو  ن ِباللَّ  ه والْيوِم الآ  خ ِ ر ولْيشْ  هد  عَذاب  ه  ما َ طائَِفةٌ  م  ن ال  مؤْ  مني  ن﴾( ٢
وقد أجمع الفقهاء على عدم ثبوت نسب الولد من الزاني إذا كانت أمه
ذات فراش، أي لا يثبت نسبه من الواطء ”الزاني” ولا يلحق به وإن استلحقه،
إنما يلحق بصاحب الفراش، حتى ولو تحقق كون الولد من الزنى، ولا ينتفي
عن صاحب الفراش إلا باللعان.
لكنهم اختلفوا في مسألة ما إذا كان الولد ثمرة علاقة آثمة، وفد خلصت
الدراسة بعد تمحيص الآراء والأدلة إلى القول بجواز تنسيب ابن الزنا إلى
أبيه الزاني إذا ادعاه ولم ينازعه صاحب فراش في ادعائه هذا، لما يمثله هذا
الرأي من إحياء للولد، ودفع لما قد يلحقه من ضرر، إذا لا يخفى مراعاته
لمصلحة الولد ودرء العار عنه حتى لا يعيش حياته وقد التصقت به فضيحة
أمه خاصً ة بالنظر لكون النسب حق للولد في جانب من جوانبه، فكيف يحرم
الولد حقًا له بدعوى معاقبة أبيه؟!
.( ١. سورة الإسراء: آية رقم ( ٣٢
.( ٢. سورة النور: آية رقم ( ٢٠
- ٤٢٢ -
كما تناول هذا الباب وسائل تحقيق النسب، فبالنظر لما يرتبه من آثار
شرعية كثيرة حرصت الشريعة الإسلامية على بيان وسائل تحقيقه سوا  ء ما
تعلق منها بإثباته أو تلك الخاصة بنفيه.
ويعد الفراش السبب الحقيقي لثبوت النسب، أما الطرق الأخرى فما هي
إلا أسباب ظاهرية تدل على وجود السبب الحقيقي،أما نفي النسب فقد نظم له
الشرع طريقًا وحيدًا وهو اللعان .
وبعد استعراض الأحكام العامة للتمهيد لدراسة الموضوع جاء الباب الأول
بعنوان:
أثر المستجدات العلمية الحديثة في إنشاء روابط النسب.
الولد زينة الحياة الدنيا كما وصفه رب العزة حيث قال: ﴿ال  مالُ والْبُنو  ن
ِ زيَن ُ ة ال  حياة الدنْيا﴾( ١)، ولذا فقد عنت الشريعة الإسلامية بانتقاء سبل إشباع
هذه الغريزة، ف ُ شرع النكاح ليكون الولد من أهم المقاصد التي يرجى تحققها
.( منه( ٢
إلا أن هذا المقصد العظيم -الولد - قد لا يتحقق لسبب أو لآخر عندما
يواجه الزوجان داء العقم، الذي يشكل أحد وجوه المعاناة الإنسانية، ومن هنا
فقد سعى الأطباء إلى البحث عن أنجع الأساليب للتغلب على هذه المشكلة،
فكان الإنجاب الصناعي بجميع طرقه أحد أبرز مظاهر التطور المذهل الذي
.( ١. سورة الكهف: آية رقم ( ٤٦
٢. ينظر الشويرخ: سعد بن عبد العزيز بن عبد الله، أحكام التلقيح غير الطبيعي، كنوز
- ٢٠٠٩ م، م ١ - اشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض – المملكة العربية السعودي ة، ط ١
. ص ٥
جسد أم ً لا لمن يرغب الذرية، وتحققت به أماني الأزواج في الحصول على
الولد.
ولا شك أن علاج العقم بهذا الطريق -الإنجاب الصناعي - يرتب آثارًا
ذات صلة وثيقة بأحكام النسب، ومن هنا تبرز ضرورة رسم الحدود الشرعية
للدائرة التي لا يجوز لرجل الطب وكذلك للمريض تجاوزها، بحيث تتم هذه
العلاجات تحت مظلة الشرعية، حتى توضع الحدود الفاصلة بين ما هو ممكن
طبيًا وبين ما هو جائز شرعًا وقانونًا أيضًا.
وقد تنوعت طرق الإنجاب الصناعي إلى طرق تتم عن طريق رحم
الزوجة وطريق يتم فيه استئجار رحم امرأة أخرى، و تولت الدراسة عرض
هذه الصور من الناحية الفنية العلمية، ومن ثم وضعها في ميزان الشرع لبيان
مدى مشروعيتها ومراعاتها لقواعد الشرع في حفظ النسب من الاختلاط أو
الضياع ؛ذلك أن الإنجاب الصناعي طريق غير طبيعي للحصول على الولد
فيلتزم عند اللجوء إليه مراعاة شروطه الشرعية والتقيد بها.
إذ يجب التعامل بشيء من الحذر مع هذه الطرق غير الطبيعية في
الإنجاب، فكل طريق للإنجاب الصناعي يستعمل فيه ماء الرجل وبويضة
المرأة ورحمها يشترط للحكم بجوازه شرطان:
أن يكون الماءان من الزوجين، بحيث لا يتدخل في العملية أجنبي 
(ماء أو بويضة ).
أن تكون صاحبة الرحم التي تحمل وتضع هي نفسها صاحبة 
البويضة.
فكل طريق للإنجاب عدل فيه عن هذين الشرطين أو أحدهما فهو
طريق محرم ولا يجوز ممارسته.
وإذا حصل الإنجاب به فنسب الولد يكون لصاحب الفراش من جهة
الأبوة عم ً لا بالقاعدة الأساس ”الولد للفراش وللعاهر الحجر”، ولصاحبة
البويضة من جهة الأمومة وتكون صاحبة الرحم أمًا من الرضاع.
إن جميع الصور المعمول بها حاليًا للإنجاب بطريق” الأم البديلة” هي صور
محرمة شرعًا؛ لمخالفتها للقواعد الشرعية.
على أنه يجب التنبيه إلى أن هذه الوسائل هي مسائل مستجدة ونوازل
مستحدثة لم يأت نص صريح بخصوصها، فهي داخلة ضمن المسائل
الاجتهادية التي يتلمس حكمها من القواعد العامة والمصالح التي اعتبرتها
الشريعة وسعت إلى تحقيقها .
كما تجذر الإشارة إلى أنه إذا كانت نتيجة اجتهاد الباحث قد ذهبت إلى
القول بتحريم طريق من طرق الإنجاب المستحدثة التي لم يرد فيها نص
صريح من الشارع، فإن ذلك لا يعني التشدد أو الحيلولة بين أولئك الذين
ابتلوا بحرمان الولد، وبين وسائل الطب الحديث التي تؤمل الزوجين في
الحصول على مبتغاهما، إنما لا ينبغي الانجرار وراء العواطف أو النزعات
الإنسانية في بيان الحكم الشرعي لتلك الطرق، فإن تقييم الفقيه والطبيب
المسلم ينبغي أن يكون مجردًا من تلك الأحاسيس التي من شأنها أن يكون لها
أثر في تكييف تلك النوازل، فالواجب تسخير تلك المبتكرات في خدمة
الإنسان وتحقيقه العبودية لله وحده في ظل أحكامه المنزلة وشرعه المحكم،
على أن هذا لا يعني أن الشرع يقف ضد العلم، فإننا نؤمن بوصفنا مسلمين
بأن شرع الله يجب أن يهيمن على كل شئ في الحياة ويوجهه، ومن ذلك
البحث العلمي، الذي قد لا تتفق شطحاته مع الأهداف العامة للشريعة، مما
يدفع إلى ضرورة الاهتمام بأسلمة العلوم الطبية ومحاولة تأطير ما توصل
إليه العلم في ميدان الإنجاب بشكل خاص، وفي ميدان العلوم الطبية
والبيولوجية بشكل عام بإطار الشرع، والسعي إلى سن أنظمة وقواعد ينقاد
خلفها الفكر البشري في هذا المجال، صونًا له من التفلت الذي قد يفضي به
إلى حمى محرمة أو مسالك ممنوعة.
واستكما ً لا لدراسة أثر المستجدات العلمية الحديثة في إنشاء روابط النسب
فقد عرضت الدراسة لأكثر الاكتشافات العلمية التي أثارت جد ً لا واسعًا ألا
وهو الاستنساخ.
فبنهاية العقد الأخير من القرن العشرين شاع ذكر هذا المصطلح في
سائر أرجاء المعمورة إثر الإعلان عن ولادة النعجة المستنسخة ”دوللي”، هذا
الإعلان الذي أثار حفيظة الخاصة والعامة لما يمثله من سن لنمط مستحدث
وغريب في التناسل والتوالد والتكاثر يخالف النمط المعروف منذ بدء الخليقة،
والمتمثل في إيجاد نطفة أمشاج قابلة بإذن الله تعالى لأن تكون مخلوقًا مكتم ً لا
من خلال الاتصال الجنسي المباشر بين الذكر والأنثى.
وقد خلصت الدراسة لعدم مشروعيته ؛ ذلك أن إن استنساخ البشر إذا ما
تحقق عمليًا سيبرز تساؤلات وإشكالات عميقة قد تكون من الخطورة
بمكان،نتيج ً ة لارتباطها بمقاصد عظيمة رعتها الشريعة تحقيقًا لمصالح العباد
كحفظ النفس والنسل.
فتطبيق هذه التقنية على البشر لا شك أنه سيخل بمقصد حفظ النسب،
فتضيع به معاني الأبوة والأمومة والبنوة، لما فيه م ن تجهيل للأنساب
وانقطاع للتناسل الذي أناط الله سبحانه وتعالى به القرابة بأنواعها، ويتجلى
ذلك في أوضح صورة إذا ما استنسخت امرأة نفسها فلا أب للمولود، أو إذا
ما تم الاستنساخ فيما بين مرأتين أو أكثر ”صاحبة الخلية الجسدية – صاحبة
البويضة – صاحبة الرحم” فلا أب للمولود وله أكثر من أم، فلا قرابات
معلومة ومنتظمة، بل في ذلك اختفاء للأسر، واختفاء للعلاقات الاجتماعية،
وضياع للحقوق والواجبات، وإخلال بالعلاقات الإنسانية عمومًا .... إلخ.
ولا يخفى على الناظر أيضًا أن هذه التقنية يمكن أن تلغي بشكل كبير أي
دور للذكر في التناسل والتكاثر، فبإمكان أي إمرأة ولو عزباء أن تستنسخ
نفسها مما يستحيل معه نسبة هذه الوليدة لأب بحال.
ثم تناولت الدراسة في الباب الثاني:
المستجدات العلمية الحديثة وتحقيق النسب
لقد سخرت الاكتشافات العلمية في مجال تحقيق النسب، وكان من هذه
الاكتشافات التي تطرح نفسها لإمكانية الاستفادة منها،تحاليل الدم، إذ لا يخفى
كونها وسيلة مهمة في تحقيق العلاقة البيولوجية بين الأصول والفروع.
وفي شأن العمل بتحاليل فصائل الدم في إثبات النسب الشرعي فإن هذه
التحاليل لا تقطع بإثبات العلاقة البيولوجية ”البنوة الطبيعية” بين الابن والأب
المحتمل، فغاية ما تقطع به هو أن وجود أحد جيني فصيلة دم الرجل في
التركيب الجيني لفصيلة دم الطفل سيجعل منه أبًا بيولوجيًا محتم ً لا له باعتبار
اشتراكه وملايين الرجال في هذا التركيب الجيني لفصيلة الدم، وعليه وبوجه
عام فإن هذه التحاليل ليس لها قيمة قطعية في ذاتها في مجال إثبات النسب.
إلا أنه قد يكون لهذه التقنية دور في بعض حالات إثبات النسب كحالة
تنازع البنوة كما في وقائع اختلاط المواليد في المستشفيات، وادعى الطفل
أكثر من شخص مع اليقين بأن الطفل ابن لأحد المدعين، فيمكن أن يصار
إلى تطبيق هذه التقنية، فإذا كانت نتيجة فحص الدم بين الأطراف المتنازعه
لصالح أحدهم دون الآخرين كان دليلا على أن هذا الطفل ابنه فيحكم له به،
أما إذا حصل الاشتراك في نتيجة فحص الدم بين أكثر من واحد من المدعين
فلا يمكن الاكتفاء بهذه النتيجة للحكم بنسب الطفل لأحد منهم، فعملية فحص
الدم كما سبق البيان ليست وسيلة يقينية لإثبات النسب، ومن أجل ذلك لا
يعتمد عليه وحدها في حالات قضايا تنازع البنوة التي من هذا القبيل فتكون
الأطراف المتنازعة متساوية من جهة قوة الدليل ولا مرجح بينها.
أما عن نفي النسب الشرعي بتحاليل فصائل الدم النسب فمن حيث المبدأ
فإن هذه الفحوصات وفي حال كانت نتيجتها سلبية،فإنها تقطع بنفي العلاقة
البيولوجية ”البنوة الطبيعية” بين الطفل والأب المحتمل، فعدم وجود أحد جيني
فصيلة دم الرجل في التركيب الجيني لفصيلة دم الطفل سيجعل من أبوته
البيولوجية له أمرًا مستحي ً لا.
إلا أن نفي النسب لا يعتمد فقط على إثبات أو عدم إثبات العلاقة
البيولوجية بين الطرفين، بل له قواعد تنظمها أحكام الشرع.
وفي المسألة تفصيل، فلا خلاف حول أن الشريعة الإسلامية تحض على
العلم وتعتد بنتائجه القاطعة في فهم وتطبيق أحكامها الشرعية بما لا يتعارض
ونصوصها وأحكامها القطعية، وبالتالي فإن حكم استخدام هذه الفحوصات في
نفي النسب يختلف بحسب الواقعة محل النظر، فيشرع وبلا خلاف استخدام
هذه التقنية لنفي نسب غير ثابت أي  مدعى به، أما استخدامها لنفي نسب ثابت
فمحل نظر وخلاف.
وإلى جانب تحاليل فصائل الدم فقد استجدت على ساحة التقنيات الطبية
تقنية البصمة الوراثية، والتي أحدثت ضجة كبيرة حال اكتشافها بداي ً ة ثم في
وسائل تطبيقها وفي مجالات الاستفادة منها، فأصبحت حقيقة ظاهرة في
مجالات الطب الشرعي وتحقيق النسب.
وقد اهتمت الأوساط العلمية في عالمنا العربي والإسلامي بهذه التقنية من
باب كيفية اللحاق بركب الاستفادة من هذه التقنية وامتلاك أسبابها والاستفادة
من تطبيقاتها وإنجازاتها في شتى المجالات، إلا أن القليل فقط من تلك
الدراسات حاول البحث في آثارها الاجتماعية والشرعية محاو ً لا وضع إطار
أخلاقي وقانوني لضبطها.
ولعل أحد أهم الأبواب ذات الصلة بمجالات تفعيل هذه التقنية باب
تحقيق النسب.
وتمتاز البصمة الوراثية بجملة من الخصائص التي تمكنها من لعب دور
في هذا المجال حيث تصل دقة نتائجها إلى نسبة ٩٩.٩ % في تحديد العلاقة
البيولوجية بين الأصول والفروع.
دقة نتائج البصمة الوراثية تؤهلها لأن تلعب دورُا بارزُا في مجال تحقيق
النسب إثباتًا ونفيًا، غير أن استخدامها منوط بإقرار الشرع لذلك في ضوء
القواعد والأحكام الشرعية الأساسية التي تحكم موضوع النسب.
وقد خلصت الدراسة في ذلك إلى أن البصمة الوراثية تقع منزلتها بعد أدلة
إثبات النسب التي اتفق الفقهاء على العمل بها، فلا يعمل بها إلا عن د عدم
وجود الفراش أو البينة أو الإقرار، فإذا  وجد شيء من هذه الأدلة فإن البصمة
الوراثية لا تقوى على معارضته، بل لا ينظر إليها مع وجوده.
إلا أن ذلك لا يعني إهمال هذه التقنية وعدم الاستفادة منها في مجال تحقيق
النسب، حيث يعدد الفقهاء مجالات الاستفادة من هذه التقنية، وهي في الجملة
ذات المجالات التي يعمل فيها بالقيافة، كحالات التنازع على أبوة مجهولي
النسب بمختلف صورها، ومن هذه الصور التي يمكن فيها الأخذ بنتائج
البصمة الوراثية في إثبات النسب.
- في كل الصور التي تحتمل أن ينسب فيها الولد إلى رجلين، كأن يطأ
رجلان إمرأة بشبهة في طهر واحد، فتأتي بولد يمكن أن يكون منهما؛ بأن
تلده لستة أشهر من وقت الوطأين إلى أقل من أقصى مدة الحمل، ولهذه
الحالة عدة صور ذكرها الفقهاء، منها:
أن يطأ اثنان بشبهة امرأة غير متزوجة في طهر واحد. 
أن يطأ أجنبي بشبهة زوجة لآخر، كأن يجدها الواطء على فراشه 
فيظنها زوجته، وتأتي بولد يمكن أن يكون منهما.
أن يطلق رجل امرأته، فيطؤها آخر في عدتها بشبهة، أو نكاح فاسد. 
أن ينكح رجلان امرأة نكاحًا فاسدًا. 
أن تستدخل المرأة منيًا محترمًا لرجلين بطريق الاشتباه، ثم تلد بعد 
ذلك ولدًا لا يعرف من أي الماءين هو.
- أن يتنازع اثنان فأكثر بلا بينة لأحد منهم نسب مجهول النسب.
- أن يتنازع اثنان فأكثر ببينات متساوية نسب مجهول النسب.
- أن تدعي إحدى امرأتان أمومة ابن الأخرى، في حال أن ولدت إحداهما
ابنًا والأخرى بنتاً فتدعي كل واحدة منهما أن الابن ولدها دون البنت وقد
ذكر ابن قدامة أن هذه الصورة تحتمل وجهين، أما بأن يعرض الولدان
على القافة فيلحقانهما كل بأبواه، أو بأن يعرض لبنا المرأتين لأهل الطب
فإن لبن الذكر يختلف عن لبن الأنثى.
وإذ لجأ الفقهاء إلى أهل المعرفة والخبرة سواء كانوا قافة، أو أهل طب
لفصل النزاع في هذه الحالة، فإنه مما لا شك فيه أن البصمة الوراثية فيها
من زيادة العلم، والخبرة، والحذق ما لا يوجد مثله في القافة وأهل الطب
في العصور الماضية، فيلجأ إليها لفصل النزاع في مثل هذه الحالة.
- إذا وضعت امرأتان طفليهما في مكان، ثم اختلطا واشتبها عليهما، فيجوز
في مثل هذه الحالات اللجوء إلى نتائج البصمة الوراثية لإثبات نسب
المتنازع عليه، ويقاس على ذلك الظروف المشابهة في عصرنا الحاضر
التي يحصل فيها اشتباه أو تنازع في نسب المولود كحالات الاشتباه في
المواليد في المستشفيات،ومراكز رعاية الأطفال، وكذا الاشتباه في أطفال
الأنابيب، وكحالات ضياع الأطفال، واختلاطهم بسبب الحوادث، أو
الكوارث، أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن
التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب
والمفقودين.
- وأيضًا وإذ إن الدراسة وفي بابها التمهيدي قد رجحت أن الزنا يصلح لأن
يكون سببًا لإثبات النسب إذا لم يعارضه فراش فقد تتم الاستعانة
باختبارات البصمة الوراثية لإثبات نسب ابن الزنا لأبيه.