![]() | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص مُلَخَّصُ الرِّسالة باللُّغة العربيَّة حظيَ الشِّعرُ الجاهليِّ بما لم يحظَ به شعرٌ غيرُهُ من عنايةِ النُّقَّادِ والباحثينَ عبرَ مرِّ العصورِ الأدبيّةِ المُتلاحقةِ ، ولعلَّ مردَّ ذلك يعودُ إلى سطوتِهِ على الموروثِ الأدبيِّ بما مثَّلَهُ من مرحلةِ نضوجٍ فنِّيٍّ تبدَّى في قصائدِهِ ومقطَّعاتِهِ ، فقد تغنَّى أبناؤُهُ بمنظومةٍ من القيمِ والمآثرِ والمروءاتِ التي قامتْ على مُرْتَكَزَاتِ الشَّرفِ والسُّؤدُدِ رغمَ المُلِمَّاتِ الجِسامِ التي حلَّتْ بأهلِهِ ، فضلاً عن شَظَفِ عيشِهم وقسوةِ حياتِهم . ففي خِضَمِّ هذا المشهدِ جاءَ الشِّعرُ بمصاحبةِ كينونَتِهِ العاطفيةِ وثيقةً تاريخيَّةً تصوِّرُ لنا الحالةَ العربيَّةَ بكلِّ ما فيها ، فضلاً عمَّا اطَّلعَ به هذا البوحُ الرَّقراقُ من رهافةِ الحِسِّ وصفاءِ الطَّبعِ واتِّقادِ القريحةِ عند أبنائِهِ ، علاوةً على قوَّةِ أساليبِهم ومتانةِ تراكيبِهم في بناءِ لوحاتِهم الشِّعريَّةِ وإتْقانِ تشكيلِها ، فحازوا قَصَبَ السَّبقِ ، ونالوا مكانةً سامقةً قلَّما نجدُ لها نظيراً في العصورِ الأدبيَّةِ الأخرى . ورغمَ هذه الحظوةِ إلَّا أنَّ الشِّعرَ الجاهليَّ ما يزالُ رافداً للدراساتِ الأدبيَّةِ والنَّقديَّةِ ، وما زالَ شعرُهُم يُضْمِرُ أسراراً دفينةً لمَّا تُسْتَنْفدْ بعدُ . ولا جَرَمَ أنَّ ما يبعثُ على الدَّهشةِ ويُثيرُ العَجَبَ ألَّا تتركَ الدِّراساتُ أيَّاً من طبقاتِ الجاهليَّةِ دونَ بحثٍ شافٍ مُسْتَفيضٍ ، فدرسوا شعرَ الإماءِ والجواري والعبيدِ والفرسانِ والفحولةِ وما شاكلَها ، دون الوقوفِ عند أعلى طبقاتِ المُجتمعِ الجاهليِّ رفعةً ومكانةً وشرفاً ، فأغفلتِ الدِّراساتُ المُعْتَمَدةُ شعرَ أبناءِ هذه الطَّبقةِ من ملوكٍ وأمراءَ رغم غلبةِ أخبارِهم بدقائقِها على عقولِ العامَّةِ والخاصَّة ، وبقيتِ المكتبةُ الأدبيَّةُ على ثرائِها شاغرةً لا يسبرُ غورَها هذا النَّقصُ والإغفالُ . من هنا كانتِ الحاجةُ ملِحَّةً للوقوفِ عند شعرِ الملوكِ والأمراءِ في بحثٍ جاءَ بعنوان : شعرُ الملوكِ والأمراءِ في العصرِ الجاهليِّ ” جمعٌ ، وتوثيقٌ ، ودراسة ” ، يجمعُ شعرَ ساداتِ الجاهليَّةِ ورجالاتِها المُتَنفِّذينَ ، فبلغَ عددُهم ستَّةً وثمانينَ شاعراً ، لهم مائةٌ واثنانِ وتسعونَ نصَّاً شعريَّاً ، وبلغتْ أبياتُهم التي اسْتُوْثِقَ من صحَّتِها ألفاً وثلاثةً وثلاثينَ بيتاً ، وعليه فمجموعُ شعرِهم أقربُ ما يكونُ ديواناً شعريَّاً ، يجمعُ شعرَ شعراءَ مُقلِّينَ لا دواوينَ مستقلَّةً لهم من أُمَّاتِ المصادرِ التُّراثيَّةِ القديمةِ . وتنبعُ أهميَّةُ الموضوعِ بالإضافةِ لما سبقَ من أنَّ أشعارَهم حملتْ خُلاصةَ تجارِبهم في الحياةِ ، وأصَّلَتْ فلسفةَ سيادَتِهم بما يمثِّلونَ من كونِهم أسمى طبقاتِ المجتمعِ وأرفعِها ، فكشفتْ أشعارُهم السِّتارَ عن فكرِ هذه النُّخبةِ المُصْطَفاةِ ومشاعرِها وأحاسيسِها ، ولن يتأتَّى ذلك إلا بانتشال مغموري الملوك والأمراء من غياهب النسيان والإغفال بالدِّراسةِ والبحثِ ، مع بسط لسان النقد فيما ضَعُفَ أو نُسِبَ إليهم من أشعار ، وهذا كُلُّهُ كان دافعاً لجمعِ هذا الموروثِ وتوثيقِهِ ، ثم دراستِهِ ؛ حتى يظهر بحلًى أنيقةٍ على مسرحِ النقدِ الأدبي . وشعرُ الملوكِ والأمراءِ ليسَ بِكْراً ولكنَّهُ الأوَّلُ من نوعِهِ الذي يُعنى بجمعِ شعرِ ملوكِ العصرِ الجاهليِّ وأمرائِهِ وتوثيقِهِ ودراستِهِ بهذه الكيفيَّةِ وذلكَ الكمِّ في الاتِّساعِ والشُّمولِ . وعليه فقد جاءَ البحثُ في قسمينِ ، تناولَ الأوَّلُ حيواتِ الملوكِ والأمراءِ ، وأشعارَهم بتوثيقِها ورواياتِها ومناسبتِها ، وما أُشْكِلَ من كلماتِها . وجاءَ القسمُ الثَّاني دراسةً في مهادٍ تاريخيٍّ ، وفصلين ، وخاتمة . فتناولَ المهادُ دلالةَ لفظتي : ” ملك ” و ” أمير ” لغةً واصطلاحاً ، إضافةً إلى الوقوف عند هجراتِ عربِ اليمنِ المختلفةِ إلى أطرافِ الجزيرةِ العربيَّةِ وأصقاعِها . أمَّا الفصلُ الأوَّلُ فخُصِّصَ لدراسةِ موضوعاتِ شعرِ الملوكِ والأمراءِ من فخرٍ وحِكَمٍ ووصايا وغيرِها ، وعُنِيَ الفصلُ الثَّاني بالتَّشكيلِ الفنِّي ، فتناولَ بناءَ القصيدةِ ونهجَ المُقطَّعةِ في شعرِ الملوكِ والأمراءِ ، فضلاً عن أساليبِهم ولغتِهم الشِّعريَّةِ ، مع رصدِ أبرزِ ظواهرِ شعرِهم الموسيقيَّةِ وتحليلِها ، وعرضٍ مستفيضٍ للصُّورةِ الشِّعريَّةِ التي شَكَّلُوا ملامِحَها بأحاسيسهم وانفعالاتهم ، مُنْهِيَاً الدِّراسةَ بخاتمةٍ سجَّلتُ فيها أبرزَ النَّتائجِ التي توصَّلتُ إليها . |