Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
أصول الصياغة القانونية للمعاهدات الدولية /
المؤلف
محفوظ،أشرف محمود محمد.
هيئة الاعداد
باحث / أشرف محمود محمد محفوظ
مشرف / إبراهيم محمد العناني
مشرف / جعفر عبد السلام علي
مناقش / حازم محمد عتلم
تاريخ النشر
2015.
عدد الصفحات
679ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
23/8/2015
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - القانون الدولي العام.
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 679

from 679

المستخلص

المقدمة:
تعد اللغة من أهم أساليب التواصل الاجتماعي، ومن وظائفها المهمة والضرورية نقل التفكير من شخص إلى آخر، كما تعد وسيلة لسن القواعد والنصوص القانونية، فاللغة هي وعاء النص القانوني؛ فمن خلال اللغة يتم التعبير عن النصوص القانونية وعن المعاهدات الدولية والعقود وغيرها من الوثائق القانونية.
واللغة القانونية هي علم وفن، لا يمتلكه كثير من المعنين بأمر إعداد وصياغة الوثائق القانونية، لذلك تثار بشأنه كثير من المشكلات العملية والخلافات حول التفسير والتطبيق.
ولا جدال أن المعاهدات الدولية تعلب دورًا محوريًا في العلاقات الدولية، فمن خلال صياغة نص المعاهدة الدولية يتم نقل إرادة أطرافها إلى حيز الوجود في صورة جمل ومصطلحات مكتوبة تشكل مجموعة من الأنماط التركيبية اللغوية/ القانونية التي تكون مجموعة من القواعد والأحكام التي اتفق الأطراف على الالتزام بها.
فلا زالت صياغة المعاهدات الدولية تشكل علم وليد في أطوار تكوينه الأولى، فهو الآن في مرحلة الاكتشاف والتحقق؛ اكتشاف القوانين العامة وتحديد معالمه ومكوناته الأساسية عن طريق الملاحظة والرصد والتحليل واستخلاص القواعد العامة، وقد حاولت في هذا البحث أن أقدم جانب مهم من هذا التأصيل العلمي في محاولة لوضع إطار معرفي/ علمي متكامل لعملية صياغة المعاهدات الدولية.
واتبعت في هذا البحث أسلوبًا يعتمد بصورة أساسية على المنهج التأصيلي وهو المنهج الذي يقوم على بحث المسائل الجزئية أو الفرعية المتشابهة بغرض وضع قاعدة عامة لها؛ أي أن هذا المنهج يعتمد على تتبع الفروع والجزئيات الخاصة بصياغة المعاهدات لينتهي إلى مجموعة من القواعد العامة التي تشكل في النهاية إطار معرفي متكامل للصياغة القانونية للمعاهدات الدولية، كما اتبعت المنهج الوصفي في بعض الأحيان لوصف بعض القواعد، وكذلك المنهج التحليلي أحيانًا بهدف تحليل مضمون بعض قواعد الصياغة وبيان الايجابيات والسلبيات الخاصة بها، وبذلك يتكامل الأسلوب المتبع من خلال الجمع بين التأصيل والوصف والتحليل.
وتنقسم هذه الرسالة إلى بابين رئيسين وخاتمة تضم أهم النتائج والتوصيات.
الباب الأول: تحت عنوان ”الأصول العامة في صياغة المعاهدات الدولية”؛ ويتكون من فصلين؛ في الفصل الأول تناولت دراسة مفهوم الصياغة القانونية للمعاهدات الدولية التي تشمل تعريف الصياغة القانونية للمعاهدة الدولية وخصائصها في المبحث الأول والتمييز بينها وبين المصطلحات قريبة الشبه منها، حيث انتهيت إلى تعريف ”الصياغة القانونية للمعاهدات الدولية” بأنها: ”تهيئة القواعد القانونية الدولية الاتفاقية وبناؤها على هيئة مخصوصة وفقًا لقواعد منضبطة تلبية لحاجة تستدعي جودة الصياغة، ولتحقيق أهداف المعاهدات الدولية في تنظيم سلوك أشخاص القانون الدولي على نحو واضح ومحدد وملزم”.
كما انتهيت إلى أن المعاهدة الدولية من وجهة نظر الصياغة هي ”نص قانوني دولي توافقي ملزم”، ويتضح ذلك من خلال رصد بعض خصائص المعاهدات الدولية والتي تتلخص في حرية شكل المعاهدة الدولية؛ فلا يوجد أي إلزام في اتخاذ شكل معين، كما أن الكتابة ليست متطلبًا في انعقاد أو صحة المعاهدة ولكنها شرط لإمكانية الإثبات وتطبيق اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات لعامي 1969م و 1986م عليها، فيمكن للمعاهدة أن تقع في وثيقة واحدة أو مجموعة وثائق أو وثيقة وملحق أو أكثر، وهكذا لا توجد قاعدة تحكم شكل المعاهدة، وإن كان الغالب أن تقع المعاهدة في وثيقة واحدة، وكذلك وحدة سلطة التشريع والتنفيذ ذلك الأمر الذي يتطلب أن تتضمن الاتفاقية قواعد خاصة بالتنفيذ وهو ما يتطلب الاهتمام بضبط الصياغة والتركيز على القواعد الخاصة بكيفية التطبيق والتنفيذ جنبا إلى جنب مع القواعد الموضوعية الخاصة بالمعاهدة، كما تعد المعاهدات الدولية تعبير عن التراضي الصريح بين الدول فالمعاهدة نص توافقي/ تعاهدي وبالتالي فلا يوجد سلطة للتشريع في فوق الدول لها سلطة الزام ولكن المعاهدة هي نص اتفاقي ينشأ من خلال اتفاق الدول وتوافقهم على أمر معين، وأيضًا عدم وجود هيئة لمراقبة مشروعية المعاهدات الدولية؛ ونقصد به عدم وجود سلطة عليا تتولى مراجعة وتصحيح نص المعاهدة؛ وإن كان دور محكمة العدل الدولية في الاختصاص بنظر المنازعات المتعلقة بالمعاهدات الدولية قد يقتصر على إبطال نص المعاهدة بالكامل أو جزء منها ولكن هذه السلطة لا تمتد إلى تصحيح أو تعديل أو تأويل نص المعاهدة. وأخيرًا، محدودية المخاطبين بأحكام المعاهدة الدولية، وذلك باستثناء المعاهدات الجماعية، فالمعاهدات الدولية الجماعية غالبًا تهتم بوضع قواعد عامة تتناسب مع كافة أعضاء الجماعة الدولية، أما المعاهدات الثنائية أو محدودة الأطراف وهي الغالبة فيكون لها طابع مختلف ومتميز عن المعاهدات الجماعية، فالمعاهدات الثنائية تحتاج إلى الاهتمام والتركيز أكثر في التفاصيل الخاصة بإرادة الطرفين بينما المعاهدات الجماعية أو الشارعة تهتم بالقواعد العامة.
كما استعرضت أنواع المعاهدات الدولية المختلفة وأهم التقسيمات الفقهية في هذا الموضوع، موضحًا أهمية الصياغة في تحديد طبيعة المعاهدة الدولية وتصنيفها، وكذلك أهمية الصياغة القانونية في بعض المعاهدات مثل المعاهدات الشارعة الجماعية التي يغلب عليها طابع العمومية والتجريد، في صياغة وسن القواعد والمبادئ خاصة تلك المتعلقة بالحقوق والحريات.
كما تناولت بالبحث خصائص الصياغة القانونية للمعاهدات الدولية؛ فمن حيث الشكل تتميز المعاهدة بوجود ديباجة في بدايتها تضم المبررات والمنطلقات والأهداف التي دعت الأطراف إلى إبرام هذه المعاهدة، كما تتميز المعاهدة أيضًا بالطول النسبي في صياغة نص المعاهدة وفي صياغة بعض المواد، وأخيرًا، يتم استخدام العبارات المقيدة للمعنى في المعاهدات الدولية بصورة كبيرة وذلك رغبة من الأطراف في تحديد أكثر لحقوق والتزامات وسلطات كل طرف.
ومن حيث الموضوع تتميز صياغة المعاهدة الدولية بأنها وسيلة لاستحداث القواعد القانونية الدولية المعاصرة، وأن المعاهدة الدولية تجمع بين العمومية والتجريد، والخصوصية والتحديد، وأنها تفرض التزامات متبادلة على أطرافها، كما أن المعاهدة هي نص توافقي وعالمي في ذات الوقت.
وفي المبحث الثاني من هذا الفصل تناولت دراسة تطور الصياغة القانونية للمعاهدات الدولية في ظل عصبة الأمم والأمم المتحدة، وظهور حركة تدوين القانون الدولي، ودور لجنة القانون الدولي في تطوير صياغة المعاهدات الدولية، كما تناولت آثار المفاوضات الدولية على الصياغة القانونية للمعاهدات الدولية، كما استعرضت بعض مشكلات الصياغة الخاصة بالمعاهدات الدولية أمام المحاكم الدولية ولجان متابعة المعاهدات.
أما الفصل الثاني فقد خصصته لدراسة ” مكونات وأنماط القاعدة القانونية الدولية وأساليب صياغتها”؛ ففي المبحث الأول تعرضت لبحث ودراسة مكونات وبناء الجملة القانونية والتي تتكون من الفاعل القانوني والفعل القانوني ووصف الحالة والشروط والاستثناءات، وتعرضت لمواصفات وشروط كل مكون من هذه المكونات فيما يتعلق بقواعد صياغته، فكلما حددنا من هو الفاعل القانوني أو المخاطب بالنص في الجملة القانونية، وحددنا الفعل القانوني المراد من الفاعل القيام به أو الامتناع عنه، وأيضًا وصف الحالة التي يتم خلالها تنفيذ الفعل والأثر المترتب على تغييرها أو تعديلها أو عدم وجودها، وأيضًا كلما كانت الشروط والاستثناءات واضحة ومحددة وموجزة، كلما وصلنا إلى غايتنا وهي الصياغة الجيدة لنص المعاهدة.
كما تناولت الأنماط التركيبية المستخدمة في المعاهدات الدولية، فهناك بعض التركيبات الثابتة التي تستخدم على نطاق واسع في المعاهدات الدولية؛ ونقصد بالأنماط التركيبية في صياغة المعاهدات الدولية هي تلك البنى اللغوية/ القانونية المتواترة في نصوص المعاهدات الدولية، والتي تستخدم في سياقات استعمالية معينة لا يختلف عليها، وهي ترتيب منتظم للكلمات في عبارات أو مقاطع أو جمل تحقق غاية معينة، بصورة ثابتة في غالبية المعاهدات، مثال ذلك عبارة: ”إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية:” في بداية ديباجة المعاهدات، وفي ختام الديباجة ترد عبارة: ”قد اتفقت على ما يلي:”، وعبارة ”لأغراض هذه المعاهدة: يقصد بـ..” التي تتصدر مادة تعريف المصطلحات المستخدمة في المعاهدة وغيرها من الأنماط، وقد قمت بعملية تحليل لأهم هذه الأنماط إلى مكوناتها المباشرة، مستخدما المنهج التحليلي التوليدي عند التوزيعيين ومنهج ”جورج كود” في تحليل مكونات الجملة القانونية، وقد أدمجت بين المنهجين لاستنتاج منهج جديد يتناسب مع الطبيعة القانونية للمعاهدات الدولية، فاستخدمت منهج ”كود” في تحليل الجملة القانونية إلى المكونات المباشرة وهي الفاعل القانوني والفعل القانوني ووصف الحالة والشروط والاستثناءات، ودمجت معه المنهج التوليدي عن التوزيعيين الذي يقوم على تحليل العمليات المنطقية العقلية في البنية اللغوية العميقة وصولًا إلى البنية السطحية قصد الوصول إلى إدراك مضمون النص بصورة واضحة ومحددة، موضحًا تركيبها من المكونات الأسمية والفعلية وغيرها. وللأنماط التركيبية اللغوية/ القانونية في المعاهدة الدولية عدة وظائف منها؛ تحقيق الإيجاز في الصياغة، وعدم اشتمال النص على كلمات زائدة أو لا تؤدي المعنى، وكذلك النمط التركيبي القانوني المستقر عليه في المعاهدات الدولية وتواتر استخدامه في كثير منها يؤدي إلى تثبت ووضوح ودقة المعنى المراد منه، أضف إلى ذلك أن التركيبات اللغوية/ القانونية في المعاهدات لها وظيفة استدلالية واشارية لما تتضمنه من معانٍ يريد الصائغ إيصالها إلى مستخدمي الاتفاقية، ويشكل إطارًا ذهنيًا متعارفًا ومتفقًا عليه، كما أن تواتر استخدام هذه التراكيب في المعاهدات على مر الزمن يؤدي إلى وجود اتفاق عام على المفهوم المقصود منها بين المتعاملين بها.
وفي المبحث الثاني تناولت الأساليب الفنية في صياغة المعاهدات الدولية، وهي أسلوب الصياغة الجامدة والمرنة والصياغة المادية والمعنوية، حيث تناولت تعريف كل أسلوب من هذه الأساليب وخصائصه ودوره واستخداماته في عملية صياغة المعاهدات الدولية، وكذلك تناولت أيضًا تقويم كل أسلوب من هذه الأساليب من خلال رصد ايجابيات وسلبيات كل أسلوب.
الباب الثاني: تناولت فيه ”تنظيم وصياغة أجزاء المعاهدة الدولية وتقييمها”؛ فتناولت في الفصل الأول ”صياغة أجزاء المعاهدة الدولية”، حيث تناولت في المبحث الأول لغة المعاهدة وصياغة العناصر الشكلية في المعاهدة الدولية، والعناصر الشكلية قصدت بها: عنوان، وديباجة، وأطراف المعاهدة، فتناولت كيفية صياغة عنوان المعاهدة وأهم الأنماط التركيبية المستخدمة في صياغة عناوين المعاهدات، وكذلك أيضًا تناولت صياغة أطراف المعاهدة وأسماء الأطراف وممثليهم، وكيفية صياغة ديباجة المعاهدة الدولية والموضوعات التي تتضمنها وهي المبررات والمنطلقات والأهداف.
وفي المبحث الثاني من ذا ت الفصل تناولت صياغة التعريفات والمواد الموضوعية في المعاهدة الدولية، فالتعريف هو تخصيص للمعنى الذي رمى إليه المشرع لفهم دلالة اللفظ أو العبارة، أي هو وضع وتحديد المعنى الذي أراده الأطراف في شكل تعريف.
وللتعريفات أهمية كبرى في المعاهدة الدولية، فمن خلال التعريفات التي تذكر في بداية المعاهدة يستطيع صائغ المعاهدة أن يحقق الدقة المطلوبة وأن يسيطر على المعاني التي يقصدها تحديدًا، فالصياغة الجيدة للتعريفات تتطلب التعبير عن ما أراده الأطراف في أقل عبارات ممكنة، وفي أفضل صورة ممكنة، وترجع أهمية تعريف المصطلحات أو العبارات المستخدمة في المعاهدة إلى رغبة واضعي المعاهدة في توحيد المراد منها وعدم إثارة أي لبس حول المعنى المراد من المصطلحات المستخدمة في المعاهدة.
كما تناولت في المطلب الثاني من هذا المبحث صياغة المواد الموضوعية في المعاهدة الدولية، وتعد المواد الموضوعية في المعاهدة الجزء الأكثر أهمية بالنسبة لباقي أجزاء المعاهدة الدولية، فهذا الجزء يتضمن مضمون الالتزامات التي اتفق عليها الأطراف، وتوضع المواد الموضوعية عقب الديباجة في صورة مواد مسلسلة ومرقومة، وفي الغالب تبدأ المواد الموضوعية بالتعريفات التي سبق تناولها، ثم غرض المعاهدة أو أهدافها، ثم نطاق تطبيقها، ثم المواد الموضوعية التي تتناول موضوع المعاهدة والتي تستخدم فيها عدد من الأنماط التركيبية والصيغ المتنوعة. وموضوع المعاهدة هو مضمون نص المعاهدة أو متن المعاهدة، وهو الذي يتضمن الأحكام التي تهدف الدول إلى تنظيمها من هذه المعاهدة. ويصاغ موضوع المعاهدة الدولية باستخدام أكثر من نوع الصيغ وهي؛ الصياغة الملزمة بنوعيها الإيجابية والسلبية، ويستخدم هذا النوع من الصياغة لتحديد الواجبات وفرض الالتزامات، أو حظر القيام بأعمال معينة، أما النوع الثاني وهو الصياغة التقديرية، أو تخويل السلطة التقديرية، وصيغ منح الحقوق والاختصاصات، وكذلك تناولت الأنماط التركيبية لصيغ منح الحقوق وإبطالها، ومنح وتحديد الاختصاصات، وصيغ الاشتراط، وصيغ الحالة والاستثناء.
كما تناولت في المبحث الثالث صياغة المواد الإجرائية أو الختامية في المعاهدة الدولية؛ وهي تتلخص في صياغة المواد الخاصة بنفاذ المعاهدة وبالتحفظ عليها وبالانسحاب وبتسجيل وإيداع ونشر المعاهدة، وأيضًا صياغة المواد المتصلة بآليات متابعة تنفيذ المعاهدة والمواد الخاصة بالإحالة وبتسوية المنازعات حيث تناولت كيفية صياغة أهم الأحكام تتضمنها كل منها والأنماط التركيبية التي تستخدم في صياغتها موضحا مكوناتها.
أما الفصل الثاني من هذا الباب فقد خصصته لبحث ودراسة كيفية وطرق ”تنظيم أجزاء المعاهدة الدولية وتقييمها”، فتناولت في المبحث الأول تنظيم أجزاء المعاهدة الدولية من خلال تناول ”البنية الطبوغرافية للمعاهدة الدولية”، والتي نقصد بها البنية السطحية لنص المعاهدة بشكل عام ونص المادة بشكل خاص، أي بيان طبيعة التقسيمات المستخدمة لتقسيم نص المعاهدة، وبيان ما إذا كان نص المعاهدة قد جاء في صورة أجزاء أو فصول أو فروع، وكذلك تقسيمات المادة إلى فقرات وبنود، أي تناول سطح وحجم المعاهدة الدولية من حيث أنواع التقسيمات الداخلية التي تشمل ”الجزء والباب والفصل والأقسام الفرعية والمادة والفقرة والبند”، وعناوين هذه التقسيمات، ومضمون كل منها ومبررات كل تقسيم من هذه التقسيمات وقواعد الربط بين التقسيمات التي تتلخص في طريقة الخيط الذهبي الذي يربط أجزاء المعاهدة ببعضها، وطريقة المنطق النظري، وطريقة التسلسل الموضوعي التي تعتمد على فكرة موضوعية تتضمن تدرج أو تسلسل طبيعي لتناول الموضوع، وغيرها من الموضوعات التي تتصل ببنية المعاهدة وطرق ومعايير تقسيم أجزاء المعاهدة الدولية، كما تناولت معايير تنظيم بنية المعاهدة الدولية وهي ثلاثة معايير أساسية هي؛ الشمولية (completeness)، وسهولة الاستخدام (usability)، وسهولة الفهم (accessibility).
كما تناولت أيضًا قواعد تنظيم أجزاء المعاهدة الدولية والتي تتلخص في قاعدة التصنيف والترتيب وما تتضمنه من قواعد تفصيلية متنوعة، وقاعدة الهرم (التدرج)، وقاعدة (7 + 2)، وقاعدة الدمج بين قاعدة الهرم وقاعدة (7 + 2)، كما استعرضت أيضًا أهم علامات الترقيم التي تستخدم في المعاهدات الدولية موضحًا أهميتها ودورها في تسهيل عملية الفهم وتحديد وتوضيح المعنى المستخدم.
وفي المبحث الثاني تناولت تقييم الصياغة القانونية للمعاهدات الدولية؛ حيث تنقسم عملية التقييم إلى جانبين؛ جانب إيجابي وآخر سلبي، يتمثل الجانب الإيجابي في الكشف عن العيوب والثغرات التي قد تصيب صياغة المعاهدة وتتسبب بالتالي في حدوث مشكلات دولية كثيرة، أو على أقل تقدير عدم تحقيق إرادة أطرافها، أما الجانب السلبي لعملية التقييم يتمثل في عدم وجود معايير علمية وموضوعية لعملية التقييم وقياس جودة الصياغة، حيث ما زالت عملية التقييم تعتمد على قيام ممثلي الأطراف الموفدين لهذا الغرض، والذين قد تتنوع مشاربهم وأفكارهم وتختلف لغاتهم عن لغة المعاهدة أو تختلف تخصصاتهم ما بين القانونية وموضوع المعاهدة، فيقوم هؤلاء بالاطلاع على نص المعاهدة وقبولها أو رفضها أو إبداء التحفظات بشأنها، وينتهي الأمر عند هذا الحد.
كما تناولت بحث ودراسة أهم عيوب صياغة المعاهدات الدولية الشكلية والتي تتلخص في الخطأ والغموض والنقص، وكذلك أهم العيوب الموضوعية التي تتلخص في التعارض بين نصوص المعاهدات، والتعارض بين نصوص المعاهدات والقواعد الآمرة في القانون الدولي، والتعارض بين التفسيرات المختلفة المترتبة على الصياغة، وأيضًا التعارض بين نص المعاهدة والتحفظ.
كما تناولت جودة الصياغة القانونية للمعاهدات الدولية ومعايير تلك الجودة والتي تتلخص في اعتبار المعاهدة الدولية نصًا واحدًا، تسري عليه معايير النصية والتي من أهمها معايير السبك التي تعمل على توفير الترابط والانسجام بين عناصر النص؛ كبناء العبارات والجمل واستعمال الضمائر وغيرها من الأشكال البديلة، وتنقسم عناصر السبك إلى قسمين؛ الأول هي عناصر السبك النحوي هي: الإحالة Reference، الحذف Ellipsis، الربط Junction، الاستبدال Substitution، التحديد Finiteness، حيث تناولت توضيح كل منها وأهمية استخدامه في المعاهدة وقدمت بعض الأمثلة عليها من المعاهدات الدولية، والقسم الثاني من أقسام السبك هي: ”السبك المعجمي” الذي يقوم على التكرار Repetition، والمصاحبة Collocation. كما تناولت عملية تقييم صياغة عناصر المعاهدة الدولية من خلال مجموعة من ”قوائم التقييم” التي يمكن استخدامها في تقييم مشروع المعاهدات، وذلك في المبحث الثاني.
أما المبحث الثالث فقد خصصته للتطبيقات العملية ”دراسة حالة” حيث قمت بتقييم ”مشروع الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار بالبشر”، حيث قمت بتقديم تقييم عملي لمشروع اتفاقية ولكل جزء منها، حيث قمت بتقييم العناصر الشكلية المتمثلة في العنوان والديباجة واللغة المستخدمة، والبنية الطبوغرافية لنص الاتفاقية، كما قمت بتقييم للمواد الموضوعية في مشروع الاتفاقية؛ خاصة التعريفات والغرض ونطاق التطبيق وموضوع الاتفاقية، والصيغ والتراكيب المستخدمة فيها ومكونات الجملة القانونية في مشروع الاتفاقية وتقييم الأساليب الفنية المستخدمة في الصياغة، ومعايير النصية أو السبك، وكذلك أيضًا تقييم صياغة المواد الإجرائية في مشروع الاتفاقية.
وانتهيت من بحثي هذا بمجموعة من النتائج والتوصيات، وكان من أهم النتائج التي توصلت إليها أن موضوع صياغة المعاهدات لم ينل حظه من البحث والدراسة حتى الآن، فهو من الموضوعات غير المطروقة كثيرًا على الرغم من أهمية صياغة المعاهدات في تلافي المشكلات والخلافات الدولية التي قد تنشب نتيجة قصور الصياغة، والنتيجة الثانية هي إبراز دور الصياغة في تحديد القواعد الدولية الآمرة عن غيرها من القواعد، ودور لجنة القانون الدولي والمفاوضات الدولية في تطوير صياغة المعاهدات، كما رصدت عدد كبير من قواعد وأسس الصياغة القانونية للمعاهدات الدولية محاولًا تأصيل هذه القواعد والمبادئ وتقديم اطار معرفي قانوني لعملية صياغة المعاهدات.
كما قدمت مجموعة من التوصيات المهمة؛ كان من بينها التوصية للمفاوض العربي بالاهتمام بعملية صياغة المعاهدة الدولية، كما أوصيت أساتذتي وفقهاء القانون الدولي العام بالاهتمام بقواعد صياغة المعاهدات والعمل على تأسيس فرع جديد من فروع القانون الدولي يهتم بصياغة المعاهدات، كما اقترحت تأسيس مركز (بيت خبرة) متخصص بوزارة الخارجية المصرية أو بالنادي الدبلوماسي المصري أو بجامعة الدول العربية أو بالأمم المتحدة تكون مهمته تصميم وتنفيذ دورات تدريبية متخصصة للمعنيين بصياغة المعاهدات ومن المفاوضين والعاملين في مجال إعداد وصياغة المعاهدات، كما يختص أيضًا بتلقي طلبات أي دولة لصياغة أو دراسة مشروعات المعاهدات وإعطاء الرأي القانوني والفني فيها قبل اعتمادها.
وأخيرًا، هذا البحث يتضمن عددًا من الجوانب المختلفة؛ حيث انطلقت من مجموعة من الأصول والقواعد المتعلقة بصياغة المعاهدات، ثم تناولت عملية بناء نص المعاهدة الدولية والمكونات المباشرة للجملة القانونية والأساليب الفنية والأنماط التركيبية القانونية المستخدمة في الصياغة، وتناولت أيضًا صياغة وتنظيم أجزاء المعاهدة الدولية وكيفية صياغة الأجزاء الشكلية والموضوعية والإجرائية في المعاهدة الدولية، وكيفية تقييم مشروعات المعاهدات وعيوب الصياغة ومعايير جودة الصياغة القانونية للمعاهدات الدولية مع تقديم تطبيق عملي لدراسة حالة وعدد من النتائج والتوصيات.
وأخيرًا، تقدم هذه الرسالة إطارًا معرفيًا متكاملًا لصياغة المعاهدات الدولية؛ من خلال استقراء وتحليل عدد كبير من المعاهدات الدولية، ومحاولة اكتشاف وتأصيل القواعد المشتركة المتعلقة بصياغتها والتي وردت في كثير من المعاهدات الدولية عبر مئات السنين، وتحليلها والتمسك بالجوانب الإيجابية فيها وبلورتها في صورة أصول وقواعد علمية، ونقد الجوانب السلبية فيها وطرح الحلول البديلة والعملية، وأيضًا محاولة اكتشاف مداخل جديدة لجودة صياغة نص المعاهدة والتي تمثلت في تحليل مكونات الجملة القانونية في المعاهدة الدولية والبنية الطبوغرافية للمعاهدة والأنماط التركيبية القانونية ومعايير السبك وغيرها من الموضوعات التي تم تناولها بالتفصيل خلال هذا البحث والتي تم تأصيل قواعدها وتطبيقها على المعاهدة الدولية.