الفهرس 
مقدمهيوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام
 |  | from | 32 |  |  |
| | | from | 32 | | |
المستخلص
شهدت أوربا في العصور الوسطى نزاعًا عنیفًا بین البابویة ممثلة للسلطة الدینیة, والإمبراطوریة الرومانیة المقدسة ممثلة للسلطة الزمنیة أو العلمانیة حول أحقیة كل منهما بالسمو
على الأخرى. وناصر الغالبیة العظمى من رجال الدین السلطة البابویة بینما ناصر نفر غیر
قلیل من أمراء وكونتات الغرب الأوربي السلطة العلمانیة. وكان البابوات یرون أن السلطة الدینیة
ممثلة في البابا هي الأسمى لكون البابا نائبًا عن القدیس بطرس، وأن له الحق في منح السلطة
للملوك والأباطرة المتعاقبین، وأن على الأباطرة الخضوع التام للبابا مانح السلطة ومصدر
التشریع، كذلك یحق للبابا عزل وتعیین رجال الدین، وقد لقي ذلك معارضة الأباطرة في
الإمبراطور یة الرومانیة المقدسة، واعتبروه خطرًا على سلطتهم لأنه یجعل من رجال الدین دولة
-١٠٧٣) Gregory VII داخل الدولة، وقد اندلع هذا النزاع في عهد البابا جریجورى السابع
١١٠٥ م). وظل قائمًا أمدًا طویلًا، – ١٠٥٦) Henry V ١٠٥٨ م) والإمبراطور هنري الرابع
حتى جاءت الحروب الصلیبیة كفرصة لتدعیم قوة البابویة على حساب السلطة الزمنیة.
وفیما یخص أهمیة الدراسة فتعود أهمیة دراسة هذا الموضوع إلى عدة نقاط منها: معرفة
جهود البابویة في العمل على تحقیق هدفها الأسمى، وهو أن العالم بأسره دولة مسیحیة واحدة
یسیطر علیها البابا، ویتضح ذلك من خلال توجیهها للحملات الصلیبیة إلي الشرق إذ كانت ترید
إقامة حكومة كنسیة عالمیة، فاتجهت البابویة إلى تعیین رجال دین كمندوبین للبابویة على
الحملات الصلیبیة، وقد أدّت دورًا مهمًا في تنفیذ سیاسة البابویة، الأمر الذي أدى إلى تأجج
الصراع بین السلطتین الزمنیة والدینیة، والذي اشتعل في الشرق اللاتیني بوصول دایمبرت البیزي
بطریرك بیت المقدس إلي الشرق أواخر سنة ١٠٩٩ م. بالإضافة إلى توضیح جهود البطریرك
دایمبرت في استغلال البیازنة والأسطول البیزي لتحقیق أماله في الاستیلاء على مملكة بیت
المقدس اللاتینیة لصالحه. ویتضح ذلك في قیامه أول الأمر بحصار اللاذقیة، ثم خروجه بعد
ذلك لحصار عكا والاستیلاء على حیفا، فضلًا عن مطالبته المستمرة لحكم بیت المقدس ویافا.
كما تلقي الدراسة الضوء على محاولة البطریرك دایمبرت في إقامة حكومة دینیة داخل
مملكة بیت المقدس الصلیبیة، والتخلص من القادة العلمانیین المناوئین له داخل المملكة حتى یستطیع فرض سیطرته على كافة الأمور داخل بیت المقدس.
وقمت بتقسیم البحث إلى أربعة فصول تسبقها دراسة نقدیة لأهم مصادر البحث، وتمهید،
وتعقبها الملاحق، وخاتمة، وقائمة للمصادر والمراجع. وقد جعلت عنوان التمهید ”جذور الصراع
بین السلطتین الدینیة والزمنیة” وتناول التمهید أفكار ونظریات كل من رجال الدین والحكام
العلمانیین، وأشرت إلى أهم النظریات التي ادعتها الكنیسة والإمبراطوریة للارتقاء بمكانتها عن
الآخرى، ووضحت كیف تطورت هذه الأفكار إلى صراع بین السلطتین الدینیة والزمنیة، ذلك
الصراع الذي بلغ مداه في عهد البابا جریجوري السابع وحتى الدعوة للحروب الصلیبیة.
وجاء الفصل الأول تحت عنوان ”دایمبرت ومقدمات الصراع” وتحدثت فیه عن حیاة
دایمبرت وعلاقته بالبابا أوربان، كذلك عرضت للحركة الصلیبیة، وكیف ساهمت في تدعیم
الموقف الدیني فمن خلالها استطاعت البابویة إدارة حركات السلام والحرب في الجماعة
المسیحیة، ومن ثم فازت بالسیادة على العالم بأسره.
وحمل الفصل الثاني عنوان ”السلطة الدینیة بین النظریة والتطبیق خلال الحملة الصلیبیة
الأولى”، وبدأت هذا الفصل بالحدیث عن دور الحملة الصلیبیة في نقل الصراع بین السلطة
الدینیة، والسلطة الزمنیة من الغرب الأوربي إلى الشرق اللاتیني، كما تحدثت عن أدهیمار
كمندوب بابوي وهدف البابویة من تعیینه كرجل دین قائد للحملة العسكریة المتجهة إلى الشرق،
وبعد ذلك تحدثت عن هیمنة الكنیسة اللاتینیة على الكنیسة في الشرق اللاتیني، ووضحت كیف
حرص رجال الدین اللاتین على كثلكة الكنائس الشرقیة بمعنى تنصیب رجال دین كاثولیك بدلًا
من الأرثوذكس، وٕاقامة الشعائر الكاثولیكیة داخل الكنائس الشرقیة الأرثوذكسیة. ووجهت اهتمامي
بالحدیث عن اختیار بطریرك لاتیني لبیت المقدس بالأخص نظرا لأنها محور دراستي، كما
أشرت إلى مملكة بیت المقدس وكیف كانت النموذج الدیني الذي سعى إلیه كل شخص لجعلها
إرثاً له نظرًا لقداستها ومكانتها عند مختلف الشعوب.
وأما الفصل الثالث فجاء بعنوان”دایمبرت وجودفري البوایوني” وقد تحدثت في هذا الفصل
عن رحلة دایمبرت إلى الشرق وما قام به دایمبرت من هجمات على أملاك الإمبراطوریة
البیزنطیة، إلى جانب علاقته بالأمراء الصلیبیین في ذلك الوقت، كما عرضت لأحوال مملكة بیت
المقدس عند وصول دایمبرت من ناحیة حدودها في ذلك الوقت، ونوع حكومتها، وتحدثت عن
التفاهم الذي تم بین جودفري ودایمبرت سنة ١١٠٠ م، وما حققه دایمبرت من نجاح بمقتضى هذا
التفاهم من انتصار على السلطة الزمنیة وٕارضاء رغباته في ذلك الوقت، وعلاوة على ذلك،
٢٦٩
ناقشت مدى سیطرة دایمبرت لتأكید مكاسب السلطة الدینیة على یدیه من خلال إجبار جودفري على التنازل عن مملكة بیت المقدس ویافا بأكلمها للبطریركیة سنة ١١٠٠ م، وختمت الفصل
بذكر وفاة جودفري وموقف دایمبرت من وفاته، وفي ذلك الوقت سعى جنود جودفري لاستدعاء
بلدوین إلى المملكة، ولما كان الأخیر لا یفوت الفرصة أسرع بتلبیة النداء واتجه على الفور إلى
بیت المقدس في ١١٠٠ م.
وقدمت الفصل الرابع في هذه الدراسة تحت عنوان ”الصراع بین السلطتین في عهد بلدوین
الأول” وقد عرضت في هذا الفصل موقف دایمبرت من وصول بلدوین إلى مملكة بیت المقدس
وكیف استطاع بلدوین بسیاسته أن یقنع دایمبرت بتتویجه ملكا على بیت المقدس في ١١٠٠ م،
كما تناولت جهود الملك بلدوین للسیطرة على الكنیسة من خلال ما قام به من التصدي لسیاسة
البطریرك دایمبرت وطموحه، كما عالجت الصدام الذي حدث بین دایمبرت وبلدوین من حیث
أسبابه وأحداثه وكیف انتهى هذا الصراع بعزل دایمبرت عن منصبه البطریركي عام ١١٠٢ م،
بعد تدخل مندوبي البابویة وعدم مساندتهم له. كما تناولت موقف البابویة من الصراع بین السلطة
الدینیة التي تمثلت في البطریرك دایمبرت والسلطة الزمنیة التي تمثلت في الملك بلدوین الأول
وكیف قام البابا باسكال بالموازنة بین الفریقین للحفاظ على الهدوء داخل مملكة بیت المقدس
الولیدة آنذاك، وختمت الفصل بالحدیث عن وفاة دایمبرت ١١٠٧ م، وكیف انتهى كل أمل في
قیام حكومة دینیة داخل مملكة بیت المقدس بوفاته، وكیف أصبح منصب البطریرك ألعوبة في
أیدي ملك بیت المقدس، لكن في الواقع فإن الصراع بین السلطة الدینیة والسلطة الزمنیة لم ینته؛
حیث أخذ یتجدد من الحین للأخر.
وزودت البحث بخاتمة شملت أهم النتائج التي توصلت لها بعد دراستي لهذا الموضوع،
وقمت بإضافة عدة ملاحق تتصل اتصالًا وثیقاً بموضوع الدراسة، وأضفت للبحث مجموعة من
الخرائط واللوحات لتوضیح بعض الأمور المتعلقة بموضوع البحث.