Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الغش في التحكيم /
المؤلف
مروان، عمار طلعت زايد.
هيئة الاعداد
باحث / عمار طلعت زايد مروان
مشرف / حمدي عبد الرحمن أحمد
مشرف / سيد أحمـد محمـود
مشرف / سحـر عبد الستار
الموضوع
التحكيم.
تاريخ النشر
2016.
عدد الصفحات
241 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2016
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - قانون المرافعات
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 241

from 241

المستخلص

ترجع أهمية التحكيم كوسيلة لحل المنازعات إلى اعتراف الدولة به بعيداً عن القضاء الوطني حيث تعترف النظم المقارنة بإمكانية تحقيق الحماية القضائية للحقوق والمراكز القانونية بغير اللجوء لقضاء الدولة والي يعد هو الحصن الحصين لحماية الحقوق والحريات حيث تعترف تلك النظم بإمكانية لجوء الأطراف إلى التحكيم.
كما تعترف الدول لأعضاء هيئة التحكيم بسلطة الفصل في بعض المنازعات على الرغم من عدم تمتع بعض أعضاءها بصفة القاضي وترجع أهمية التحكيم إلى سهولة إجرائه وسرعتها والتي غالباً ما يلجأ إليها الأطراف تجنباً للإجراءات القضائية التي تتسم بالبطء والتعقيد. وذلك كونه يخفف العبء عن كاهل القضاء الوطني داخل الدولة في الوقت الذي زادت فيه الخصومات وتنوعت، خاصة الخصومات ذات الطابع التجاري لذا كان من المفيد أن تتفرغ الجهات القضائية الوطنية للمنازعات الهامة والتي لا يجوز التحكيم فيها بسبب ارتباطها بمصالح الدولة وسيادتها وتترك المنازعات ذات الطابع الخاص الذي هم أطراف الخصومة باللجوء إلى التحكيم في تلك المنازعات خاصة وأن عدد القضايا والخصومات في زيادة مضطردة والذي لا يقابله على الجانب الآخر زيادة في عدد القضاة ومن ثم تظهر أهمية التحكيم كعلاج ناجح لتلك الظاهرة.
كما ترجع أهمية التحكيم أيضاً إلى رغبة أطراف النزاع في عرض منازعاتهم على أشخاص ذوو خبرة فنية خاصة في مجالات اقتصادية وتجارية أو مصرفية فليس بالضرورة أن يكون المحكم ذا خبرة قانونية.
والأصل أنه يفصل التحكيم في المنازعات التجارية والمصرفية التي تثور بين الكيانات والمشروعات الاقتصادية العملاقة سواء كانت وطنية أو أجنبية حيث يفضل أصحاب تلك المشروعات والكيانات اللجوء للتحكيم نظراً لسهولة إجراءاته وإمكانية اختيار المحكمين وسلطة تحديد القانون واجب التطبيق إلى جانب طابع السرية الذي يغلب على نظام التحكيم وذلك على العكس من إجراءات التقاضي أمام القضاء الوطني التي تتسم جلساته وإجراءاته بالعلانية الأصل العام ولذا يلعب التحكيم دوراً هاماً باعتباره الحل الأمثل لمشاكل التجارة الدولية.
ويرجع هذا إلى تطور فنون وممارسات التجارة الدولية الحديثة التي أدت إلى ظهور أنواع جديدة من المعاملات والعقود والتي لم يكن للفكر القانوني سابق عهد بها فهي غالباً ما تكون عقود مركبة وغير مسماة وتتسم بأنها عقود طويلة الأجل والتي من شأنها أن تتأثر بالمتغيرات الاقتصادية الأمر الذي يبدو معه قصور القضاء التقليدي للدولة من الناحية الفنية تسوية تلك المشكلات والتي أثبت الواقع العملي أن البديل الملائم للقضاء الوطني هو التحكيم والذي عمل بعيداً عن قواعد القوانين الوطنية إلى ترسيخ مجموع من الحلول الفنية والقانونية التي تتجاوب مع تطور وخصوصية عقود التجارة الدولية.ويعد اتفاق التحكيم اتفاقا عرفيا لا يشترط شهره حيث عدد المشرع الدعاوي الواجب شهرها
لما كان التحكيم يتم بعيداً عن القضاء الوطني فإنه غش الخصوم في إجراءات التحكيم يكون أمراً وارداً ومتصوراً حيث يعد الغش في حد ذاته ظاهرة واسعة الانتشار في العلاقات القانونية بصورة عامة وفي إجراءات التقاضي بصورة خاصة بل ولا نبالغ إن قلنا أن القوانين الإجرائية والتي تهتم بإجراءات التقاضي وتنظمها أمام هيئات التحكيم هي المجال الخصب لظاهرة الغش الإجرائي.
حيث قد يعمد أطراف خصومة التحكيم إلى الغش والتلاعب بالإجراءات لإطالة أمد التقاضي أمام هيئات التحكيم أو لعرقلتها إضراراً بالطرف الآخر رغبة منهم في تحقيق منفعة أو لترتيب أوراقه للحصول على حكم يعلم أنه ليس من حقه.
وقد يصدر الغش من المحكم نفسه ويتحقق ذلك إذا خالف المحكم الالتزام بالحيدة التي يفرضها عليه
والغش في الاصطلاح القانوني هو الإخلال بواجبات الصدق والمصارحة التي يفرضها القانون أو اتفاق التحكيم كالكذب أو الكيدية في الإجراءات كاتخاذ إجراء يعلم الشخص أنه ليس من حقه أو عدم القيام بإجراء معين يقصد الإضرار بأحد الخصوم.
و يقصد بالغش الإجرائي انحراف المحكم وإخلاله بواجب الحيدة وإخلاله بمبدأ العدالة بقصد وسوء نية بتحيزه لأحد الخصوم ولذلك تعد القواعد الخاصة برد المحكمين من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، ولذا يعد غشاً اختيار محكم له علاقة بأحد أطراف خصومة التحكيم دون علم الطرف الآخر كما لو كان له مصالح مادية أو ارتباطات مالية مع أياً من طرفي الخصومة أو كان يباشر استشارات ومساعدات فنية لأحد أطراف النزاع أثناء سير إجراءات التحكم سواء كان ذلك بمقابل أو بدون مقابل.
الغش تصرف إرادي يقصد من وراءه الإضرار بالشخص أو تضليل للمحكمة وذلك بإساءة استعمال الطرف لحقوقه الإجرائية والغش بهذا المعنى قد يتخذ صورة طلباً أو إجراءاً أو دفعاً يكون الهدف من وراءه الإضرار بالطرف الآخر وصولاً إلى تعطيل سير العدالة أو تضليل هيئة التحكيم سعياً لإصدار حكم لصالحه.
والغش على هذا النحو قوامه عنصران العنصر الأول يتجسد في عنصر مادي والعنصر الآخر عنصر معنوي
و علية قد يتخذ الغش صورة مادية بأن يكون غشاً في الواقع كإيهام الطرف بواقعة لا أساس لها من الصحة المقصود منها دفع الطرف الواقع تحت تأثير الغش لاتخاذ إجراء ليس في صالحه.
أو قد يكون الغش بنفي واقعة موجودة أصلاً أو تشوبها وتحريفها أو تقديم معلومات كاذبة عنها كإعطاء بيانات غير حقيقية عن الواقعة أو تغير المستند أو تزويره وقد يكون الغش قولاً كاليمين الكاذبة والشهادة الزور ويجب لتوافر الغش أن يكون الإجراء الذي تم اتخاذه أو الامتناع عنه دون وجه حق مؤثراً في يقين هيئة التحكيم ومؤثراً على حكمها.
والغش بالمعنى الواسع يحتمل كل أنواع التدليس والوسائل الخداعية التي يستعملها أحد الخصوم في مواجهة الطرف الآخر بقصد إيقاعه في الخطأ أو تضليله وينسحب نفس المعنى على تضليل هيئة التحكيم وإيقاعها في الخطأ والغش كما يصدر من الخصوم يصدر من المحكم أو القاضي ويتحقق غش القاضي أو المحكم بانحرافه عن العدالة بقصد وسوء نية وذلك إما تحقيق مآرب شخص أو انحياز لأحد الخصوم.
فالغش هو تغير الحقيقة أو إخفائها بأي وسيلة تدليسية يقصد تحقيق مصلحة خاصة تتعارض مع القانون وقد يتم الغش خلال إجراءات التحكيم بإثارة النزاع حول مسألة أولية تخرج عن ولاية المحكمين فالتحكيم طريق استثنائي لفض المنازعات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية و سلبا لاختصاص جهات القضاء وتقتصر ولاية هيئة التحكيم على نظر موضوع النزاع الذي تنصرف إليه إرادة المحتكمين، فإذا فصلت في مسألة لا يشملها هذا الموضوع أو تجاوزت نطاقه فإن قضائها بشأنه يضحى وارداً على غير محل من خصومة التحكيم وصادرا من جهة لا و لأيه لها بالفصل فيه لدخول في اختصاص جهة القضاء صاحبة الولاية العامة في نظره.أو طعن أحد الخصوم بالتزوير في ورقة معروضة على المحكمين وذلك بقصد إطالة أمد التحكيم إضراراً بالطرف الآخر بل ويتحقق الغش من المحكمين ومن ثم يجوز ردهم إذا حكم المحكم بغير وثيقة تحكيم أو بناءاً على وثيقة باطلة أو إذا كان الحكم قد خرج عن حدود الوثيقة.... أو إذا صدر الحكم من محكمين لم يعينوا طبقاً للقانون أو صادرة من بعضهم دون أن يكون مأذونين بالحكم في غيبة الآخرين أيضا الغش الذي يقع من أحد الخصوم ضد الطرف الآخر قد ينصب على الوقائع ويكون ذلك بالسكوت أو الكتمان عنها أو إخفائها أو باحتجاز أحد المستندات أو باصطناعها، وقد ينصب على القانون بالتحايل على القانون.كما قد ينصب على الإجراءات فقد يتفق الخصوم جميعاً على اللجوء إلى هيئة التحكيم للحصول على حكم في دعوي معينة وذلك بهدف تقديمه لهيئة التحكيم كدليل للحصول علي حكم تحكيم لصالح احد الخصوم أضرارا بالغير أي ما يسمى الأحكام الاتفاقية وذلك إضراراً بالغير.وقد يتم اتفاق بعض الخصوم مع الغير على استلام الإعلان إضراراً ببقية الخصوم.
لذلك من المتصور أن يحدث الغش من ممثل الطرف إضراراً بخصمه الآخر وذلك في الحالة التي يبلغ فيها القاصر سن الرشد ولم يقم الوصي بإبلاغ هيئة التحكيم بهذا التغيير حتي يتم رفع اوصاية متفادياً بذلك انقطاع الخصومة ثم يعلم الطرف الآخر بهذا التغيير بعد ذلك.
ولما كان من المتصور أن المحكم الذي يفصل في النزاع قد يرتكب غشاً إضراراً بأحد الخصوم أو إضراراً بالعدالة. لذلك قرر المشرع ضمانات معينة للخصوم ضد انحياز المحكم وتكفل بالتالي حيادة ومن صور غش المحكم انسحابة من هيئة التحكيم دون ابداء اسباب وذلك بقصد تعطيل الخصومة اضرارا بمصلحة أحد الخصوم ولمصلحة الطرف الاخر ولذلك إذا كان أحد أعضاء هيئة التحكيم قد إنسحب من العمل قبل إصدار الحكم فإستحال على الهيئة مواصلة السير في نظر الطلب وأصدرت قرار بوقف إجراءات التحكيم فإن الميعاد المحدد لإصدار الحكم يقف سريانه،حتى تعيين محكم بدلا من المحكم المعتزل... وذلك بحسبان هذه المسألة مسألة عارضة تخرج عن ولاية المحكمين ويستحيل عليهم قبل الفصل فيها مواصلة السير في التحكيم المنوط بهم
واذا كانت نظرية التعسف في استعمال الحق تجد مجالها في نطاق الحق الموضوعي فإنها تجد تطبيقا لها أيضاً في الحقوق الإجرائية الناشئة عن قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون التحكيم لذلك
فإن معايير الغش التي قد تستند إلى التعسف في استعمال الحق قد تكون شخصية في حالة عدم مشروعية المصلحة وقصد الإضرار بالغير، وقد تكون مادية كعدم التناسب بين المصلحة والضرر .
كما تعد نية الإضرار أحد وسائل الإخلال بالموازنة بين الحقوق المختلفة على حساب الغير
و لذلك يمكن تأسيس المسئولية المدنية الموجبة للتعويض بناء علي التعسف و الغش علي المسؤلية الشخصية أي القائمة علي ”فكرة الخطأ”، أوالموضوعية ، القائمة علي ”فكرة المخاطر” .
وتؤسس المسئولية المدنية الشخصية على الخطأ بدرجاته سواء كان بسيطا،أو جسيما، أوعمديا.
والخطأ البسيط هو الخطأ المجرد الذي يقصد به الخطأ الذي لا يرتكبه الشخص العادي.وأمثلة الخطأ البسيط بالخطأ غير العمدي الذي ينسب إلى المدعي نتيجة لتهور أو خفة كرفع دعوى شهر إفلاس استناداً إلى دين متنازع فيه نزاعاً جدياً ـ أو تكرار طلب أحالة الدعوي للخبير مبررات جدية فقط لمجرد تأخير الفصل في الدعوى بحيث يمكن القول بأن كل خطأ في استعمال طرق التقاضي يعتبر تعسفاً يقيم المسئولية”
أما الخطأ الجسيم فهو الخطأ الشخصي الذي يقصد به الخطأ الذي لا يقترفه المدين في أعماله الشخصية أو أعمال نفسه ولذلك يتساوى الغش ، في القانون المدني، مع الخطأ الجسيم ، ويختلف الخطأ الجسيم عن الغش في مضمونه، فبينما يكمن الغش في إرادة الإخلال بالالتزام العقدي وإدراك وارادة أحداث الضرر الذي ينجم عنه، لا ينطوي الخطأ الجسيم على سوء القصد، حيث لا يتعمد الطرف، الذي يرتكبه، عدم تنفيذ الالتزام فالخطأ الجسيم لا يعدوا الا أن يكون إهمالاً أو عدم احتياط، لم يقصده الطرف ، ولم يقصد على وجه الخصوص إحداث الضرر الذي نشأ عنه. ويعتبرالخطأ الجسيم ، خطأ غير عمدي ،وأن اختلفت درجته ،ولا يختلف في طبيعته عن بقية الأخطاء غير العمديةالا أنه يقترب في خطورته على العلاقات القانونية، من الخطأ العمدي أو الغش،. لذلك فأن الخطأ الجسيم يتساوي مع الغش في الآثار، كما سبق الذكر، ويتعين، من ثم، التسوية بينهما في القواعد القانونية”
وفي مجال المرافعات فالخطأ الجسيم هو ”الذي تصاحبه إرادة الفعل ذاته دون ثبوت اتجاه إرادة صاحبه إلى إحداث الضرر. فالضرر يمثل في هذه الحالة كاحتمال ولكن ذلك لا يردع الطرف فيمضي في ارتكاب الفعل دون مبالاة بنتائجه الضارة. وإذ أن احتمال الضرر الناجم من الفعل يكون قائماً ومنظوراً أمام الطرف وماثلاً أمامه، فإن قبوله لذلك يجرد من حسن نيته ويقترب بفعله من دائرة الغش فيأخذ حكمه وتقوم مسئوليته بالتبعية كذلك. ويمكن التمثيل لذلك بالحالة التي يأتي فيها الطرف بفعل يكون من شأنه أن يفوت على خصمه مكنة مباشرة حقوق الدفاع الثابتة له أمام القضاء، كأن يعلنه في موطن يعلم أنه متغيب عنه، مع علمه بموطنه الحقيقي الذي يكون متواجداً فيه بالفعل وقت الإعلان، فيصدر الحكم نتيجة لذلك دون حضور الطرف ومباشرته لحقوقه في الدفاع الذي قد يفاجئ في النهاية بتنفيذ حكم صدر ضده لا يعلم عنه شيئاً”.
ومن أمثلة تعسف الطرف سوء نيته أو خطئه الجسيم الذي يلحق به في القضاء الفرنسي ،أن يضمن المدعي دعواه تلميحات مهينة أو يطلب بطلان البيع استناداً إلى أسباب عديمة القيمة ليبقى في العقار الذي باعه أو يتعمد المدعى عليه، تأخير الفصل في الدعوى بإثارة دفوع غير جدية أو يستأنف الحكم الذي صدر ضده ليعطل تنفيذه أو لمجرد العناد
ويعتبر الخطأ الجسيم تعسفاً إذا بلغ مرتبة التدليس ويكون ذلك في حالات التقاضي حيث يجب مساءلة من يستعمل الإجراءات القضائية بسوء طوية أو للكيد بخطأ جسيم مواز للغش.
أما الخطأ العمدي فيتميز في القانون المصري بسوء القصد ورغبة المسئول في الإضرار بالغير ويقتضي من ثم لقيامه نية إحداث الضرر وإن كان لا يستلزم أن يكون هذا القصد السيئ هو الغرض الوحيد أو حتى الرئيسي من الفعلة الضارة.
ويعرف البعض الغش، في القانون المدني، بأنه ” الخطأ العمدي أو الامتناع عملاً عن تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على الوجه المتفق عليه فيه. فليس قصد الإضرار بالدائن عنصراً فيه بل يستهدف المدين عادة، بإخلاله بما التزم به، تحقيق مصلحة شخصية له ومع هذا، يتوافر الغش، في جانبه إذا كان هذا الإخلال عمدياً منه”. لكن البعض الآخر لا يكتفي في تحديد الغش بالصفة العمدية أو الإرادية للإخلال بالالتزام بل يجد قوام الغش، إما في الإضرار بالطرف الأخر ، وإما في اقتناص منفعة على حسابه فلا يتوافر الغش في جانب الطرف على رأيهم، ولو امتنع عمداً عن تنفيذ التزامه، وكان مدركاً للضرر الذي يلحق الدائن منه، ما لم يقصد بهذا الامتناع، إيقاع ضرر بالدائن أو الحصول على منفعة على حسابه وإلا كان سيئ النية لا غاشاً لدائنه. وعلى هذا النحو يفترق الغش في رأيهم من مجرد سوء النية”
و يتجسد الغش الأجرائي في مخالفة الاعتبارات الخلقية والاجتماعية والقانونية ،وتقتضي محاربة الغش والخديعة والاحتيال مراعاة الاعتبارات الخلقية في التصرفات والإجراءات عموماً صيانة لمصلحة الأفراد والجماعات، تتطلب القيم الأخلاقية في المجتمع أن يسلك الطرف في المطالبة بحقه أو في الدفاع عنه أو الحصول على ثماره أمام محاكم التحكيم أولقضاء مسلكاً يتسم بالنزاهة والصدق في القول أيضاً أي أمانة العمل (في السلوك والقول).
فالأصل أن يسلك الخصوم ومحاميهم إجراءات الخصومة بإخلاص ونزاهة ، ولكن هذا لا يعني أن يلزم الطرف بالصدق المطلق في الخصومة بحيث يلتزم بتقديم عناصر قضيته وحججه التي تكون في صالحه أو في صالح خصمه. بل يجب أن يتوافر في الطرف الحد الأدنى من الاستقامة الخلقية في الخصومة الذي يتمثل في أن يستهدف سلوك الطرف فيها تحقيق مصالحة المشروعة بطريقة نزيهة فإذا باشر إجراء أو قدم طلباً أو دفعاً وهو يعلم ألا حق له فيه وإنما قصد به مجرد تعطيل الفصل في خصومة التحكيم أو الإضرار بالطرف الآخر فإنه يكون قد أخل بواجب حسن النية الذي يتطلب حد أدنى من الاستقامة الخلقية في الخصومة.ولا شك في أن أعمال الغش في التقاضي وإجراءات التحكيم والتنفيذ تنطوي على فرق للأخلاق التي تتطلب مقاومة الغش بكل صورة في القضية المدنية عموماً. والغش يقع في ملتقى الأخلاق مع القانون.
كما يستند مبدأ حظر الغش عموما والأجرائي خصوصا الي وجوب مراعاة الاعتبارات الاجتماعية في اجراءات التقاضي أمام محاكم التحكيم إلى لتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع التي تتطلب عدم الإضرار بالغير من ناحية والمشاركة في إظهار الحقيقة من ناحية أخرى.
وبالتالي فإن وجود الغش الأجرائي في دعوي التحكيم أمام محاكم التحكيم يعني من ناحية عدم المساهمة في إظهار الحقيقة لأن الغش قد يعني إخفاء هذه الحقيقة ومن ناحية أخرى الإضرار بالغير مما يؤدي إلى عدم استقرار المعاملات وعدم وجود الثقة والائتمان اللازمين لازدهار النشاط الاقتصادي في الدولة، وتدهور النشاط الاقتصادي يعني تدهور الظروف الاجتماعية مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الدولة، وهكذا فإن الغش الإجرائي يعني عدم المشاركة الأمينة في إقامة العدالة، حيث أنها تتطلب عدم تعطيل سير القضية بسوء نية أو بدون مقتضى.
وتأتي أخيرا الاعتبارات القانونية والتي يرجع حظر الغش في التقاضي والتنفيذ إلى فيها الي مراعاة حسن النية وعدم التعسف في استعمال الحق الإجرائي وعدم الانحراف عن جادة العقل والصواب.
ويذهب البعض الي إن الغش يفسد كل شيء هو مبدأ عام للقانون يستمد من الأخلاق ومراعاة الاعتبارات الاجتماعية ومبدأ حسن النية الإجرائية، و يقصد بالمبدأ العام للقانون اجتهاد القاضي للبحث عن حل النزاع ليس بناء على أفكار شخصية أو شعور شخصي بالعدالة ولكن بناء على المبادئ العامة الكلية الغير مكتوبة التي يقوم عليها النظام القانوني لدولته ، ”وأجمعت ضمائر الناس في جماعة معينة على إنزالها منزلة المبادئ المكتوبة، فكان مؤدى هذه الموافقة الإجماعية أن اعتبرت هذه المبادئ من قبيل القانون الوضعي، عبرت عنه الإرادة الجماعية فكان لها بذلك قوة ملزمة ، كما يجب التفرقة بين المبادئ العامة للقانون والقواعد القانونية فالأولى أعم وأشمل من الثانية لأنها تهيمن على القانون الوضعي وتوجه تطبيقات أما الثانية فهي مجرد تطبيق للمبادئ العامة تستهدف استخلاص الأسس التي يقوم عليها النظام القانوني ومن ثم تحقق العدالة في مفهوم النظام، وأساس ذلك لا يكمن في نص بعينه وإنما تفرضه قواعد العدالة
فالغش يفسد التصرفات من المبادئ العامة القانونية ، وهذا ما استقر عليه قضاء النقض المصري الذي قرر أن ”قاعدة الغش يبطل التصرفات قاعدة سليمة ولو لم يجر بها نص خاص في القانون وتقوم على اعتبارات خلقية واجتماعية في محاربة الغش والخديعة والاحتيال والانحراف عن جادة حسن النية الواجب توافره في التصرفات والإجراءات عموماً صيانة لمصلحة الأفراد والمجتمع”.
ويستطيع القاضي بسهولة أن يتوصل للمبادئ العامة بحكم أنه يعيش في المجتمع من ناحية وبحكم دراسته للقانون وتخصصه به من ناحية أخرى وهو في قيامه بهذا البحث يمكنه أن يستعين بالمبادئ العامة القائمة في القانون المقارن طالما أنها لا تتعارض مع النظام القانوني لدولته.
كما أن هذه المبادئ يمكن أن يكرسها التشريع أو العرف أما التي لم تكرس بالتشريع أو العرف فالبعض يرجعها إلى الإقرار الضمني للمشرع والآخر إلى القانون الطبيعي وقواعد العدالة والثالث إلى تكريس القضاء للمبادئ القانونية فالمبادئ العامة هي خلاصة الأسس التي تقوم عليها حضارة المجتمع أو هي التعبير القانوني للحضارة السائدة.
وعلي العكس يمكن اعتباره ”إن الغش يفسد كل شيء” وفقا لرأي بعض الفقه قاعدة قانونية مصدرها المادة الأولى من القانون المدني المصري التي تنص على عبارة ”القانون الطبيعي وقواعد العدالة” التي يقصد بها ”الحكم أو الحل الذي يمليه العقل والضمير باعتباره محققاً للعدالة” وعلى القاضي في تحكيمه للعقل وفي مشاوراته للضمير ألا يصدر عن أفكاره ومعتقداته الخاصة بل عن أفكار الجماعة التي ينتمي إليها ومعتقداتها بحيث يتعين عليه أن يطرح أفكاره ومشاعره الخاصة إذا تعارضت مع أفكار الجماعة ومشاعرها، وإلا انفسح المجال لتحكم القضاة وتغير الحل تبعاً لاختلاف القضاة (الذين) يفصلون في المنازعات” أو يقصد بهذه العبارة ”اجتهاد القاضي للبحث عن حل النزاع ليس بناء على أفكار شخصية أو شعور شخصي بالعدالة ولكن بناء على المبادئ العامة الكلية للقانون المصري التي تكون قد تكون مكتوبة أو غير مكتوبة” ،كما أن الغش هو أعنف صور البطلان الإجرائي من ناحية وهو في قمة أنواع الخطأ من ناحية أخرى.
ومبدأ ”الغش يفسد كل شيء” قد يكون أيضا وسيلة احتياطية نلجأ إليها عندما لا توجد أية آلية قانونية يكون في استطاعتها أن تضمن عدم تعسف الطرف في استعمال حقوقه الأجرائية ، ويكون مجال نظرية الغش مقيداً بثغرات النظام القانوني وبالتالي إذا ما نص القانون على جزاء معين للأجراء الكيدي فليس هناك ما يدعو إلى اللجوء إلى مبدأ ”الغش يفسد كل شيء”
ونري أن ”الغش يفسد كل شيء” يعدقاعدة قانونية:فهو يعتبر قاعدة قانونية غير مكتوبة مستمده من المبادئالعامةً للقانون الإجرائي وذلك لأنه يرجع إلى اعتبارات العدالة وهو من صنع القضاء غالباً لذلك فلا يحتاج إلى نص قانوني هذا من ناحية ومن ناحية أخرى له مرمى عام حيث يطبق على كافة فروع القانون المختلفة، كما أنه يمكن أن يحل محل الوسائل التي نص عليها القانون ”وسائل الحماية الذاتية” لكفالة احترامه وبالتالي فهو يعتبر من وسائل الحماية الذاتية ـ القوية والفعالة ـ لقواعد القانون عند مخالفتها، كما أن مجال أعمال قاعدة ”الغش يفسد كل شيء” أوسع من مجال غيره من الجزاءات التي يقررها القانون، وعلى ذلك يمكن أن يشكل نظرية عامة في القانون عموماً.ذلك ان قاعدة ” الغش يبطل التصرفات ” هي قاعدة قانونية سليمة و لو لم يجر بها نص خاص في القانون وتقوم على اعتبارات خلقية واجتماعية في محاربة الغش والخديعة والاحتيال وعدم الانحراف عن جادة حسن النية الواجب توافره في المعاقدات والتصرفات والإجراءات عموما صيانة لمصلحة الأفراد والجماعات.
ولذا يكون لقاضي الموضوع السلطة التامة في استخلاص عناصر الغش من وقائع الدعوى وتقدير ما يثبت به هذا الغش وما لا يثبت دون رقابة عليه من محكمة النقض في ذلك ما دامت الوقائع تسمح به.
قد يرتكب أحد الخصوم غشاً ضد خصمه في دعوي التحكيم أو حتى ضد العضو فيها. فاذا كان غش أحد الخصوم ضد الطرف الآخر فانة يكون باتخاذ أحد الخصوم طلباً (أصلياً أو عارضاً أو فرعياً) أو دفاعاً إيجابياً (كالطلب المقابل) أو اعتراضياً (كالدفوع الإجرائية أو بعدم القبول أو الموضوعية) أو إجراء من إجراءات التقاضي وذلك نكاية وكيداً بخصمه الآخر، سواء أكان ذلك اثناء خصومة التحكيم أو عند الطعن بالبطلان علي حكم التحكيم، فهذا يكون غشاً.