الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص من المعلوم بالضرورة في كافة النظم القانونية أن القضاء هو الطريق الطبيعي لفض المنازعات التي تثور بين الأفراد، ويهدف من خلال قيامه بهذه الوظيفة إلى إقرار العدالة داخل المجتمع، إلا أنه مع تزايد وتطور وسرعة وتيرة الحياة الاقتصادية، وبزرغ كثير من المتغيراتالتي أثرت بشكل كبير العلاقات التجارية، فقد زاع صيت وسائل أخرى بديلة لم يرفض أطراف النزاع اللجوء إليها لتسوية المنازعات التي تنشأ بينهم عوضاً عناللجوء إلى القضاء التقليدي الرسمي للدولة. ويعد نظام التحكيم منم أبرز الوسائل الاختيارية، فلا يمكن أن نغض الطرفعن العلاقة الوثيقة التي جمعت بين التحكيم في الفترة الأخيرة ومفهوم التنمية الاقتصادية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، إذ يمثل التحكيم أحد أهم الوسائل الداعمة لهذه التنمية الاقتصادية، فهو يعد وسيلة مثالية لتسوية المنازعات، وذلك بحسبان ما يتمتع به مزايا لا تتوافر في قضاء الدولة، ولعل أبرزها: بساطة وسرية الإجراءات وسرعتها، وإعطاء الحرية للأطراف في اختيار محكمين لهم خبرة في مجال النشاط الذي يتعلق به النزاع، وتوفير الثقة والطمأنينة للمستثمرين الأجانب. وإذا كان اللجوء إلى التحكيم قد زاع وانتشر في الوقت الراهن، إلا أن له جذوره التاريخية التي تؤكد قدمه، فقد حظي التحكيم باهتمام بالغ لم يسبق له مثيل منذ أقدم العصور البشرية؛ كنظام قانوني لحل المنازعات بين الافراد، فقد كان معروفاً منذ ما يقارب خمسة الآلاف سنة بين دولتي لكش وأور السومرتين. كما عرفه قدماء الأغريق على شكل مجلس دائم لحسم المنازعات التي تحدث بين دويلات المدن اليونانية. كذلك عرف نظام التحكيم عند العرب في العصر الجاهلي، فمن الأمثلة التي يمكن الاسترشاد بها على انتشار نظام التحكيم، عندما احتكم العرب إلى الرسول () في الخلاف الذي نشب بينهم بشأن رفع الحجر الأسود، وعرفت الشريعة الاسلامية أيضاً نظام التحكيم،وقد ورد بشأنه نصوص في القرآن الكريم، فقد أقر الله تعالى في محكم كتابه العزيز كوسيلة تسوية المنازعات التي قد تنشأ بين الأزواج، فقال تعالى:”وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا. |