الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص إن كان الأصل في الأشياء الإباحة؛ أي: إنه لا مالك لها، ومن ثمَّ فإنها مشتركة بين الناس جميعًا، لكنها بمرور الزمن ومع حُبِّ الإنسان للتملك، سرعان ما انتقلت من هذه الحال إلى حال الاستئثار والتملك. فمنذ أن عَرَفَ الإنسان المِلكية الفردية اتَّجه إلى العمل على حيازة العقار وحمايته من الاعتداء عليه بكلِّ الوسائل، ولقد حاول الإنسان في كلِّ عصرٍ أن يضع يده على كلِّ ما يستطيع حيازته من العقارات؛ لأنها كانت رمزَ قُوَّتِه وشعارَ سلطانِه، كما أنه عصَبُ الحياة من قديم الأزل، وتطمح نفسه إلى التوسع في حيازته، فيندفع نحو الحصول على حيازة العقار؛ لكونها المظهرَ الماديَّ الملموسَ الذي يمكِّن من ممارسة حقِّ الملكية ممارسةً فعلية، فهي عنوان الملكية الظاهرة؛ لكونها أداةً فعَّالة لاستغلال الأشياء والحقوق والانتفاع بها. فالحق لا يستكمل مقومات وجودِه إذا لم يكن في وسع صاحبه أن يحميَه، ولا سبيلَ للتمكن من ذلك عند المنازعة إلا بالدعوى، فهي من عناصر قيام الحق؛ إذ طالما أن الدولة حرَّمت على الفرد اقتضاءَ حقِّه بنفسه، وهيَّأت له هذه الحماية بواسطة القضاء، كان لا بدَّ أن تخول الفرد صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدَى عليه حقَّ الحصول على هذه الحماية( ). والواقع أن الحيازة لا تختلف حمايتها عن حماية أيِّ حق، ذلك أنه إذا قيل: إنَّ لكل حقٍّ دعوى تحميه، فليس المقصود بذلك العدد، وإنما المقصود ”اسم الجنس”، وبهذا المعنى يصح القول: إن للحيازة دعوى تحميها( ). فحماية الحيازة بدعاوى خاصة أمرٌ ضروريٌّ؛ لأنها شرعت لحماية الحيازة كمركز قانوني، فتشكِّل خط الدفاع الأول عن الملكية؛ لكونها قرينةً على الملكية، ودعاوى الحيازة هي التي تحمي الحيازة ذاتها وبصفةٍ سريعةٍ دون التعرُّض لأصل الحق. فهي شرعت لحماية الأمن والاستقرار في المجتمع لحين البحث في دعوى الحق. |