الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص وهذا الجانب التركيبي النحوي مرتبط بفكرة البنية، فإن كثيراً من اللغويين يذكرون مصطلح البنية النحوية إلى جوار التركيب النحوي، وكأنهم يقصدون بذلك منح هذين المصطلحين صفة الترادف. غير أن المقصود ببناء القصيدة في هذه الدراسة الحديث عن طبيعة تشكيل تلك القصيدة، ومظاهر تكوينها الصوتية والإيقاعية والتركيبية والتصويرية، فإن جميع هذه المكونات تدخل في تشكيل بنية القصيدة بصفة عامة، وهو ما تحاول الدراسة الوصول إليه من خلال شعر بشرى البستاني. ولم يكن مفهوم بناء القصيدة جديداً على الناقد الأدبي العربي، فنجد ابن طباطبا يبيّن للمتلقي الهيئة التي يكون عليها بناء القصيدة عند الشعراء، وذلك في قوله: فإذا أراد الشّاعر بناء قصيدة مَخَضَ المعنى الّذي يريد بناء الشّعر عليه في فكره نثرا، وأعدّ له ما يلبسه إيّاه من الألفاظ الّتي تطابقه، والقوافي الّتي توافقه، والوزن الّذي سلس له القول عليه، فإذا اتّفق له بيت يشاكل المعنى الّذي يرومه أثبته وأعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسق للشّعر وترتيب لفنون القول فيه بل يعلّق كلّ بيت يتّفق له نظمه على تفاوت ما بينه وبين ما قبله، فإذا كملت له المعاني، وكثرت الأبيات، وفّق بينها بأبيات تكون نظاما لها، وسلكا جامعا لما تشتّت منها. ثمّ يتأمّل ما قد أدّاه إليه طبعه، وأنتجته فكرته فيستقصي انتقاده، ويرمّ ما وهى منه، ويبدل بكلّ لفظة مستكرهة لفظة سهلة نقيّة. وإن اتّفقت له قافية قد شغلها في معنى من المعاني واتّفق له معنى آخر مضاد للمعنى الأوّل، وكانت تلك القافية أوقع في المعنى الثّاني منها في المعنى الأوّل نقلها إلى المعنى المختار، الّذي هو أحسن، وأبطل ذلك البيت، أو نقض بعضه وطلب لمعناه قافية تشاكله ويكون كالنّسّاج الحاذق الّذي يفوّف وشيه بأحسن التّفويف ويسدّيه وينيره، ولا يهلهل شيئا منه فيشينه. وكالنّقّاش الرّقيق الّذي يضع الأصباغ في أحسن تقاسيم نقشه، ويشبع كلّ صبغ منها حتّى يتضاعف حسنه في العيان، وكناظم الجوهر الّذي يؤلّف بين النّفيس منها والثّمين الرّائق، ولا يشين عقود بأن يفاوت بين جواهرها في نظمها وتنسيقها. |