Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
النيل وقضايا المجتمع النوبي في الرواية النوبية المعاصرة :
المؤلف
السعدي، أحمد حجاج.
هيئة الاعداد
باحث / أحمد حجاج السعدي
مشرف / سوسن ناجي رضوان
مشرف / صفوت عبدالله الخطيب
مشرف / شهير أحمد دكروري
الموضوع
نهر النيل في الأدب العربي.
تاريخ النشر
2021.
عدد الصفحات
192 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
الأدب والنظرية الأدبية
تاريخ الإجازة
1/1/2021
مكان الإجازة
جامعة المنيا - كلية دار العلوم - الدراسات الأدبية
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 199

from 199

المستخلص

في عام 1902م أقيم خزان أسوان ليحتجز المياه وراءه لحين الحاجة إليها، فأغرقت المياه أراضي النوبيين التي كانوا يزرعونها ونخيلهم وأشجارهم، وفي عام1933م كانت التعلية الثانية وقد طغت المياه بعده على كل شيء، فبنى النوبيون دورا جديدة تحت سفوح الجبال، ولضيق الرزق أضطر الرجال إلى الرحيل. .
وكانت هذه الأحداث بمثابة رحما خرجت من خلاله الأعمال الأدبية للأدباء النوبيين ، وفي عام 1968م استقبل الوسط الأدبي رواية ( الشمندورة ) أول رواية نوبية تتحدث عن المجتمع النوبي وطقوسه ، وذيلت الرواية بجملة وضعت تحت العنوان كانت عبارة ”أول رواية نوبية ” الأمر الذي أحدث ضجة نقدية تمثلت في التفات النقاد والمهتمين بصيحة أبناء الجنوب من خلال لوحة حياتهم” الشمندورة”، هذا العمل الأدبي الذي جاء شبيها بحالة الولادة المتعثرة والمخاض الصعب لرواية يبذل صاحبها كل الجهد من أجل تهريبها من أسوار المعتقل، تارة علي أوراق البفرة وتارة أخري علي أوراق عبوات الأسمنت.
ولما كانت الشريحة النوبية نموذجا بشريا له من الخصوصية الاجتماعية والفنية ما يميزه عن باقي شرائح المجتمع المصري فانه من البديهي أن تكون الرواية النوبية هي المرآة الكاشفة لهذا العالم الواقعي فتغدو ـالرواية النوبية ـ هي الأخرى لها من الخصوصية ما يجعلنا نتوقف أمامها ؛ لمحاولة فك شفرات النص الروائي النوبي ، وذلك الجدل بين الواقع الفعلي الروائي النوبي والواقع المتخيل أو الافتراضي ، أضف إلى ذلك خصوصية المكان الطبيعي كمكونات أساسية في البيئة النوبية هذه المعالم التي أضحت نموذجا يوتيوبيا افتراضيا بعد بناء السد وقد تحول المكان بما يحمله من دلالة إلى طلل يذكر في الأدب وحكايات الجدات للصغار.
أولا: المكان الغارق
غرقت بلاد النوبة تحت مياه السد، وعقب بناء السد تجمعت المياه وصنعت بحيرة ناصر هذه البحيرة التي غرقت تحتها بلاد النوبة ومثلت هذه البحيرة المرحلة الأخيرة للأزمة النوبية والغرق النوبي والذي جاء معه التهجير والرحيل القسري لأبناء النوبة والبعد عن جنتهم التي عاشوا فيها منذ أزمان بعيدة، ولما اجتاحت مياه السد العالي النوبة في عام 1964 م وغرقت القرى النوبية كليا وعلى الرغم من أن النوبة أصبحت مكانا غارقا في الحياة والواقع فقد ظلت في نفوس أبنائها باقية وخالدة في نفوسهم وأرواحهم.
هذه الأرض موطن الذكريات، وملاعب الصبا، وغدت هذه الأرض عند النوبيين الحلم الغارق والفردوس المفقود، وحاول النوبيون في الشمال الاستقرار إلى جوار بعضهم محاولين تكوين ما يسمى بالنجع أو الناحية، لضمان الإحساس بالحنو في الغربة والتخوف من بطش الزمن. اجتهد النوبيون وحاولوا التأقلم مع المجتمع الجديد بعد أن بادروا في تكوين جمعيات أهلية لمساعدة المحتاجين من أهالي النوبة والوافدين الجدد، هذه العزلة التي فرضها النوبيون علي أنفسهم لمحاولة الحفاظ على الهوية النوبية والتقاليد والعادات أمام افتتاح العاصمة وحضور أهلها مقارنة بانغلاق النوبة طيلة تاريخها. أضف إلى ذلك الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الجماعات النوبية وسكان المدن التي نزحوا اليها
ومثلت النوبة الغارقة مكانا تدور من حوله الأعمال الأدبية التي كتبها أدباء النوبة وقد أصبح الوعي الفني بالمكان اليوم من الضروريات الفنية لبناء أي نص وأعني هنا تحديدا، المعرفة بتاريخية المكان وبتحديد جغرافيته التي تجري عليها الأحداث، أي الحاضر فيه فمن المعروف أن لكل مكان روحه وأفعاله الملائمة له والخاصة به، ولكل فعل درجات من الظهور في النص لا تكتمل إلا بالتلاؤم بين ” الحاوي المحوي ” أي بين الفعل والمكان الحاوي له، فتحديد مكان النص القصص يسهم في ضبط أصول فن القص.
ثانيا: النيـل
النيل منذ القدم لم يكن مجري مائي فحسب، بل كان ظاهرة طبيعية كبري، وسمة متميزة من سمات مصر أوحت الكثير من الفن وحملت الكثير من العقائد، وفجرت الكثير من الأحاسيس والقصص والأساطير، النيل عند النوبي القديم آية مقدسة من آيات الله، من قبل الأديان الثلاثة وبعدها نهر لا يمكن تلويثه أو الاعتداء عليه، أو حتى الحديث عند باستخفاف، النيل عند المصريين منظر خلاب، نهر يمكن التريض فيه، النيل عند فلاحي مصر ضرورة لري زراعتهم، ضرورة معيشية، النيل عند النوبي ليس ضرورة زراعية، ليس ضرورة مواصلة وتواصل، ليس ضرورة منظر، بل ليس ضرورة حياة، فالنيل لديه هو الحياة ذاتها، لذلك قيل إن النوبي هويته نيلية. النيل قرين النوبي في شامل حياته.
وبعد كل ذلك فقد أثبت النوبيون وطنيتهم وحبهم لمصر، ولا أحد يستطيع إنكار وطنيتهم ولا تضحياتهم لأجل وطنهم مصر. وتأكد ذلك عبر أعمالهم الروائية ويبقى سؤال غامض طرحة أمين الشباب:
-من أنتم؟ تأرجحت الإجابات بين السطحية والبلاهة وعدم الفهم والمباشرة، ونشط عقلي بسرعة غريبة، استوعبت مغزى السؤال جيدا، وقلت بثقة وتمكن:
”نحن يا أفندم، منبعنا النوبة، ومصبنا مصر وفي المساحة بين المنبع والمصب، علاقات، حسن جوار مصاهرات، قرابات، وليس هناك ما نتنازع عليه، وكلنا نشرب من ماء النيل.
احتد الشيخ كرباش الذي كان صامتا، مكتفيا بمتابعة حركات الشفاه الأيدي لما سمع حسينا، قال له اسكت يا رجل ولاتزد، فنحن مصريون، نشأنا في ظل حكومتها، وتبعناها طوال عمرنا، ولا يجوز أن نهجر إلى غيرها. نحن لا نرفض أن نضحي من أجل مصر كلها، على أن تقيم لنا الحكومات مشاريع زراعية عوضا عن أرضينا التي ستلتهما مياه الخزان.
ثالثا: اللغة النوبية
تعتبر اللغة وعاء للفكر وحاملة للقيم والمفاهيم، وبنية مجردة ينطوي خلفها السلوك والأخلاق، وتكمن في داخلها الصور والمشاهد، فهي التفكير وهي التخيل بل لعلها المعرفة نفسها، بل هي الحياة نفسها.
يؤكد النوبي أن لغته -النوبية -كلماتها قريبة من الأشياء، مازالت تحمل بكارتها الأولي عندما اكتشف الإنسان اللغة، إنها في بدايتها كما هي تحمل صوت الطبيعة وتجسد المرئيات، خالية من كل ما علق باللغات الأخرى في تاريخها الطويل من الأوشاب ونفايات الكلام، هي لغة تخرج من الفؤاد تطير بلا حروف لتسكن قلب السامع والقارئ، لا يشاركنا مواطنونا هذه المتعة وهذا الجمال الفريد؟ لماذا لا يقرأ المصريون تاريخهم بلغتنا القديمة.
لقد حفلت الرواية النوبية بسمة شديدة الخصوصية من خلال توظيف اللغة أو اللهجة المحلية داخل النص الروائي، هذه اللغة التي باتت منسية عقب اختفاء الأرض النوبية ورحيل الأجداد، فلم تقتصر اللغة داخل الحيز السردي على كونها آداة التواصل بقدر ما تكون هوية يتمسك بها الكاتب.
تمثل الرواية النوبية حلم الكاتب النوبي المرتبط بالواقع، يستدعي حلمه الماضي، ليصله بالحاضر لذا فاستخدام اللغة النوبية إلى جوار العربية الفصيحة في السرد والحوار داخل أعمال أدباء النوبة، للدلالة على ”الكتابة الحلمية ” عن الواقع المفقود، وتكون الكتابة – آنئذٍ – تعويضا عن المفتقد ”.