الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص ولد أحمد رامي في 9 أغسطس عام 1892 ، بحي الناصرية بالسيدة زينب بالقاهرة والنغم ملء أذنيه ؛ فقد ولد في مندرة لا تخلو من عازف أو مغنٍ من أصدقاء والده هواة الموسيقى ، وأخذت الأنغام مسراها إلى مهد الغلام الوليد ، فأخذ ينصت إلى الغناء في مهده تاركاً البكاء ، وبهذا منحته الطبيعة إحدى وسائل الشعر وهي الغناء والطرب . وعندما تجاوز أحمد سنوات الطفولة الأولى ، اصطحبه والده معه في سفره إلى جزيرة طاشيوز ، إحدى جزر بحر إيجه على بعد ست ساعات بالمركب الشراعي بين مدينة قولة مسقط رأس محمد علي ، حيث كان والده يعمل طبيباً بالجيش الألباني هناك ، حينما كانت تلك الجزيرة تابعة للحكم التركي ، ذهب أحمد مع أبيه ، وقضى بها عامين كاملين ؛ ذهب وسنه السابعة ، وعاد وسنه التاسعة ، وتلك هي سنوات التفتح في أخيلة الطفولة ، ومرة أخرى تمنحه الطبيعة وسيلة ثانية من وسائل الشعر وهي الخيال ، وهكذا تفتح خيال الشاعر على غابات اللوز والنقل والفاكهة والبحر والموج والشاطيء . وعاد رامي من هذه الجنة ليلتحق بالمدرسة في القاهرة ، عاد وقد أتقن اللغتين التركية والرومية ، وهما لغتا أهل تلك الجزيرة ، ترك أحمد أبويه هناك وأقام عند بعض أهله في بيت يقع في حضن المقابر بحي الإمام الشافعي ، فاستوحشت نفسه وانطوت على هم وحزن عميقين ، وبهذا تدخلت الطبيعة مرة ثالثة في تكوين شاعرية هذا الشاعر من أجل منحه وسيلة ثالثة من وسائل الشعر وهي التأمل والسكون والحزن ، وكلها أشياء تعمق رؤية الشاعر. عاد رامي من الجنة إلى اليباب وجو من الصمت قريب من الكآبة ، فتعلم رامي الحزن العميق . دخل أحمد رامي كتّاب الشيخ رزق ، ثم مدرسة السيدة عائشة ، ثم مدرسة المحمدية عام 1903 ، وعندما عاد أبوه من طاشيوز ، عادت الأسرة إلى بيتها القديم بحي الناصرية ، ولكن سرعان ما التحق والده بالجيش ، فسافر إلى السودان وترك أحمد في رعاية جده ، وهو شيخ في السبعين يسكن بحي الحنفي ، فعاودته الوحشة ، وكادت تعصف به لولا أن خفف حدتها نافذة في غرفته كان يطل منها على تخوم مسجد الحنفي ، ليستمع طيلة الليل إلى مجامع المتصوفة يتلون أورادهم ، ويرددون ابتهالاتهم واستغاثاتهم في نغم جميل ، وتتدخل الطبيعة مرة رابعة لمنحة عنصراً رابعاً من عناصر تكوين شاعريته ؛ وهو النغم الصوفي المتمثل في التراتيل والأوراد الروحانية والتي تركت آثارها على شعر رامي فيما بعد . |